للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سافرتُ إلى العراق سنة أربعٍ وحججت، فصعدت عَلَى عرفات، وَإِذَا بالشيخ عَبْد اللَّه قاعدٌ مستقبل القبلة، فسلّمت عَلَيْهِ، فرحّب بي وسألني عن طريقي، وقعدتُ عنده إلى الغياب، ثُمَّ قُلْتُ: ما نقوم نمضي إلى المُزْدلِفة؟ فَقَالَ:

اسبقني، فلي رفاق. فأتيت مزدلفة ومنى، فدخلت مسجد الخيف فإذا بالشيخ تَوْبة، فسلَّم عَليّ، فَقُلْتُ: أَيْنَ نزلَ الشَّيْخ؟ قَالَ: أيُّما شيخ؟ قُلْتُ: عَبْد اللَّه اليُونينيّ. قَالَ: خلَّفته ببَعْلَبَكّ. فقطّبتُ [١] وَقُلْتُ: مبارك. ففهم وقبض عَلَى يدي وبكى، وقَالَ: باللَّه حَدَّثَني، أيش معنى هذا؟ قُلْتُ: رأيته البارحة عَلَى عرفات.

ثُمَّ رجعت إلى بَغْدَاد ورجع تَوْبة إلى دمشق، وَحَدَّثَ الشَّيْخ عَبْد اللَّه، ثُمَّ حَدَّثَنِي الشَّيْخ توبة قَالَ: قَالَ لي ما هُوَ صحيح منك، فلان فتى، والفتى لَا يكون غمّازا.

فَلَمَّا عدت إلى الشَّام عَتَبني الشَّيْخ.

وَحَدَّثَنِي الجمال [بن] [٢] يَعْقُوب قاضي [كرك] [٣] البِقاع، قَالَ: كُنْت عند الجسر [٤] الْأبيض وَإِذَا بالشيخ عَبْد اللَّه قد جاء ونزل إلى ثورا، وَإِذَا بنصرانيّ عابر، ومعه بَغْل عَلَيْهِ حِمْل خَمْر فعثرَ البغل ووقع، فصعد الشَّيْخ وَقَالَ: يا فقيه، تعال [٥] . فعاونته حَتَّى حمَّلناه، فَقُلْتُ في نفسي: أيش هَذَا الفعل؟ ثُمَّ مشيت خلف البَغْل إلى العُقَيْبة فجاء إلى دكان الخَمّار، فحلّ الظّرف وقَلَبَه، وَإِذَا بِهِ خَلّ، فَقَالَ لَهُ الخَمّار: ويحك هَذَا خلّ، فبكى، وَقَالَ: واللَّه ما كَانَ إِلَّا خمْرًا من ساعة، وإنّما أَنَا أعرف العِلَّة، ثُمَّ ربط البَغْل في الخان، وردَّ إلى الجبل، وَكَانَ الشَّيْخ قد صلَّى الظُّهر عند الجسر في مَسْجدٍ، قَالَ: فدخل عليه النّصرانيّ، وأسلم، وصار فقيرا.


[١] في المرآة ٨ ق ٢/ ٦١٣ «ففطنت» .
[٢] إضافة على الأصل من: مرآة الزمان ٨ ق ٢/ ٦١٣ وفيه: وحدّثني القاضي جمال الدين بن يعقوب. وهي ساقطة أيضا من المطبوع من تاريخ الإسلام ٣٠٩.
[٣] إضافة على الأصل من: مرآة الزمان وهي بسكون الكاف، بلدة بالبقاع من عمل بعلبكّ بعرف بكرك نوح.
[٤] في المرآة: «الحصن» .
[٥] وقع في المطبوع من تاريخ الإسلام ٣٠٩ «تعالى» .