للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ أَبُو المُظَفَّر [١] : وَكَانَ الشَّيْخ شجاعا ما يبالي بالرجال قَلُّوا أَوْ كثروا، وَكَانَ قوسه ثمانين رِطلًا، وما فاتته غزاة في الشَّام قطّ، وَكَانَ يتمنّى الشهادة ويُلقي نفسه في المهالك. حَدَّثَنِي خادمه عَبْد الصَّمَد قَالَ: لَمَّا دخل العادل إلى بلاد الفرنج إلى صافيتا قَالَ لي الشَّيْخ ببَعْلَبَكّ: انزل إلى عَبْد اللَّه الثقة [٢] ، فاطلب لي بغلته. قَالَ: فأتيته بها، فركبها، وخرجت معه فبِتْنا في يُونين [٣] ، وقمنا نصف اللّيل، فجئنا المُحدثَة الفجَر، فَقُلْتُ لَهُ: لَا تتكلّم فهذا مكمن الفرنج. فرفع صوته وَقَالَ: اللَّه أكبر، فجاوبته الجبال، فيبستُ من الفزع، ونزل فصلّى الفجْر، وركب، فطلعت الشمس، وإذا قد لاح من ناحية حصن الْأكراد طلب أبيض، فظنّهم الاسبتار [٤] ، فَقَالَ: اللَّه أكبر، ما أبركك [٥] من يوم، اليوم أمضي إلى صاحبي.

وساق إليهم وشهر سيفه، فَقُلْتُ في نفسي: شيخ وتحته بغلة وبيده سيف يسوق إلى طلب فرنج. فَلَمَّا كَانَ بعد لحظةٍ وقربوا، إِذَا هم بمائة حُمَيْر وحش، فجئنا إلى حِمْص، فجاء الملك المُجاهد أسدُ الدِّين، وقدَّم لَهُ حصانا، فركبه، ودخل معهم، وفعل عجائب.

وَكَانَ الشَّيْخ عَبْد اللَّه يَقُولُ للفقيه مُحَمَّد: في وفيك نزلت: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَالرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ٩: ٣٤ [٦] .

وَقَالَ ابن العديم في «تاريخ حلب» [٧] : أَخْبَرَنِي الفقيه اليونينيّ أنّ الشيخ


[١] في المرآة ٨/ ٦١٥.
[٢] في المطبوع من مرآة الزمان: «الفقيه» .
[٣] في المرآة: «ثوبين» ، وقال ناشره في الحاشية (١) : لعله تبنين. فأخطأ في الاثنين. والصواب ما أثبتناه، وهي البلدة التي ينسب إليها قرب بعلبكّ.
[٤] الاسبتار، تعريب للفظ اللاتيني Hospitallers وقد أطلق المؤرخون المسلمون هذا الاسم على جمعية فرسان الهسبتاليين التي يرجح تأسيسها إلى سنة ١٠٩٩ م على يد «بليسد جيرارد» بعد استيلاء الصليبيين على بيت المقدس، وكانت دارها به قبل ذلك بزمن طويل مأوى الحجّاج والمرضى من المسيحيين. (انظر: السلوك ج ١ ق ١/ ٦٨ حاشية ٤) .
[٥] في المطبوع من تاريخ الإسلام ٣١٠ «ما أكبرك» ، وهو خطأ. والمثبت من: المرآة.
[٦] سورة التوبة: الآية ٣٤ وتمام الحكاية: «أنا من الرهبان وأنت من الأحبار» . (المرآة ج ٨ ق ٢/ ٦١٦) .
[٧] هو المسمّى: «بغية الطلب» ، والنص في القسم المفقود منه.