صغير إلى جزيرة فيها قلعة ليتحصّن بها، فأدركه الْأجل، فدُفن عَلَى ساحل البَحْر، وهرب ولداه، وتفرقت الممالك بعده، وأخذت التَّتَار البلاد.
قُلْتُ: وكانت سلطنة علاء الدِّين مُحَمَّد بن تكش في سنة ستّ وتسعين وخمسمائة عند موت والده السُّلْطَان علاء الدِّين تِكش.
قَالَ الموفّق عَبْد اللّطيف: كَانَ تِكش أعْوَرَ قميئا كثيرَ اللّعب بالملاهي، استُدعي من الدّيوان العزيز لدفع أذَى طُغريل السَّلْجُوقيّ صاحب همذان، فقَتَل طُغْريل وسَيَّر برأسه، وتَقَدَّم بطلب حُقوق السَّلْطَنة، فتحرّكت أمَّةُ الخَطا إلى بلاده، أَوْ حُرّكت، فألجأته الضرورة أن يرجع- يعني إلى خُوَارِزْم-.
وتولَّى بعده الْأمر ولداه، فَكَانَ ابنه محمدٌ شُجاعًا، شَهمًا، مِغْوارًا، مِقْدامًا، سَعْد الوُجهَة، غَزّاءً، لَا ينشف لَهُ لبد، ويقطع المسافات الشَّاسعة في زمان لَا يتوهم العدو أَنَّهُ يقطعها في أضعافه. وَكَانَ هجّاما، فاتكا، غَدَّارًا، فأوّل ما فتك بأخيه، فأُحضِرَ رأسُهُ إليه وَهُوَ عَلَى الطعام، فلم يكترث. وَكَانَ قليل النَّوم، كثير اليقظة، طويل النَّصب، قصير الراحة. يخدم في الغارات أصحابه، ويهجعون وَهُوَ يحرسهم. وثيابه وعدَّة فرسه لَا تبلغ دينارا. لذّته في نَصَبه، وراحته في تعبه، كثير الغنائم والْأنفال، سريع التّفريق لها والإنفاق. وَكَانَ لَهُ معرفة ومشاركة للعُلماء، وصَحِبَ الفخرَ الرَّازِيّ قبل المُلك، فَلَمَّا تملَّك رَعَى لَهُ ذَلِكَ، فوسَّع عَلَيْهِ الدُّنْيَا وبسط يده.
لكنّ هذا المَلِك أفْسد رأيه العُجْب، والتيه، والثِّقة بالسَّلامة، وأوجب لَهُ ذَلِكَ أن يستبدّ برأيه، ويُنكّب عن ذكر العواقب جانبا، واستهان بالْأعداء، ونسي عواقب الزّمان، فمن عُجْبه كَانَ يَقُولُ:«مُحَمَّد ينصر دين مُحَمَّد» ثُمَّ قطع خُطبة بني العَبَّاس من مملكته، وتركَ غزو الكُفَّار، وأخذَ يتصدّى لعداوة قِبلة الإِسْلَام وقَلْب الشريعة بَغْدَاد، وعزم عَلَى قصد تفليس ليجعلها سرير مُلكه، ويحكم منها عَلَى بلاد الرّوم والْأرْمن والقَفْجق [١] ، وسائر بلاد العرب والعجم، فأفسد الأمور