للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ النّسويّ: وَلَمَّا رحل من حافّة جيحون إلى نَيْسَابُور وَالنَّاس يتسلّلون لم يقم بها إِلَّا ساعة رُعبًا تمكّن من صدره، وذُعرًا داخل صميم قلبه، فحكى لي الْأمير تاج الدِّين عُمَر البسطاميّ قَالَ: وصل السُّلْطَان بسطام، فاستحضرني وأحضر عشرة صناديق، وَقَالَ: هذه كُلّهَا جوهر، وفي هذين الصندوقين جوهر يساوي خِراج الدُّنْيَا بأسرها، فأمرني بحملها إلى قلعة أرْدهْن [١] ، ففعلتُ، وأخذت خطّ متولّيها بوصولها مختومة. فحاصر التَّتَار القلعة إلى أن صالحهم متولّيها عَلَى تسليم الصناديق إليهم بختومها، فحملت إلى جنكزخان. ووصل السُّلْطَان إلى أعمال همذان في عشرين ألفا، فلم تُرعه إِلَّا صيحة العدو، فقاتلهم بنفسه، وشمل القَتْل جُلّ أصحابه، ونجا هُوَ في نفر يسير إلى مازندران ثُمَّ إلى حافّة البَحْر، فأقام بقرية هناك يحضر المسجد، ويصلّي مَعَ إمام القرية، ويبكي، وينذر النذور إنْ سلِم، إلى أن كبسه التَّتَار بها، فبادر إلى مركب، فوقعت فيه سهامهم، وخاض خلفه ناس، فغرقوا.

وَحَدَّثَنِي غير واحد ممّن كانوا مَعَ السُّلْطَان في المركب، قَالُوا: كُنّا نسوق المركب، وبالسلطان من علَّة ذات الجنب ما آيسة من الحياة، وَهُوَ يُظهر الاكتئاب ضجرا، ويقول: لم يبق لنا من ملكنا قدْر ذراعين، تُحفر، فنُقبر، فما الدُّنْيَا لساكنها بدار. فَلَمَّا وصل إلى الجزيرة سُرّ بذلك، وأقام بها فريدا طريدا والمرضُ يزداد. وَكَانَ في أهل مازندران ناس يتقرّبون إِلَيْهِ بالمأكول والمشروب وما يشتهيه، فَقَالَ في بعض الْأيام: أشتهي أن يكون عندي فرس ترعى حول خيمتي. فَلَمَّا سَمِعَ الملك حسن أهدَى لَهُ فرسًا. ومن قبل كَانَ اختيار الدِّين أميرُ آخر السُّلْطَان مُقدَّمًا عَلَى ثلاثين ألف فارس يَقُولُ: لو شئت لجعلتُ أصحابي ستّين ألفا من غير كُلفة، وَذَلِكَ أنني أستدعي من كلّ جشار [٢] للسلطان في البلاد جوبانا [٣] فينيفون عَلَى ثلاثين ألفا. فتأمّل يا هَذَا بُعد ما بين الحالتين!


[١] من أعمال الري (معجم البلدان) .
[٢] جشار: من الجشر، وجمعه: جشارات، ويقال: جشير أيضا. وتدلّ على الخيل والبقر التي تلازم المرعى ولا ترجع إلى الحظيرة بالليل. ويقال: «دشار» تسهيلا للنطق. (تكملة المعاجم العربية) لرينهارت دوزي- تعريب الدكتور محمد سليم النعيمي- طبعة وزارة الثقافة والأعلام، بغداد ١٩٨٠- ج ٢/ ٢١٥) . ويقال- عندنا- بالعاميّة-: «داشر» ومنه المثل الشعبي: «المال الداشر يعلّم الناس السرقة» .
[٣] الجوبان: الراعي، بالتركية.