قَالَ ابنُ النَّجَّار- كَانَ يعني الشَّيْخ مُوَفَّق الدِّين: إمام الحنابلة بالجامع. وقد سَمِعَ منه ببَغْدَاد رفيقه عَبْد العزيز بن طاهر الخَيَّاط سنة ثمان وستّين وخمسمائة.
وَكَانَ ثقة، حُجَّة، نبيلا، غزير الفضل، نَزِهًا، وَرِعًا، عابدا، عَلَى قانون السَّلَف، عَلَى وجهه النُّور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه.
وقال فيه عمر ابن الحاجب: هُوَ إمام الْأئمة، ومفتي الْأمة، خصَّه اللَّه بالفَضْل الوافر، والخاطر المَاطِر، والعلم الكامل، طَنَّت بذكره الْأمصار، وضَنَّت بِمِثْلِهِ الْأعصار. قد أخذ بمجامع الحقائق النَّقلية والعقلية، فَأَمَّا الحديث فَهُوَ سابق فرسانه، وأَمَّا الفقه فَهُوَ فارس ميدانه، أعرف النَّاس بالفُتيا، وَلَهُ المؤلّفات الغزيرة، وما أظنّ الزمان يسمح بِمِثْلِهِ، متواضع عند الخاصَّة والعامَّة، حسن الاعتقاد، ذو أناة، وحِلْم، ووَقَار. وَكَانَ مجلسه عامرا بالفقهاء، والمُحدثين، وأهل الخير.
وصار في آخر عمره يقصده كلُّ أحد. وَكَانَ كثير العبادة، دائم التّهجُّد، لم نرَ مثله، ولم يرَ مثلَ نفسه.
وقال الضِّيَاء في «سيرته»[١] : كَانَ تام القامة، أبيض، مشرق الوجه، أدعج العينين. كَأَنَّ النّور يخرج من وجهه لحُسنه، واسع الجبين، طويل اللّحية، قائم الْأنف، مقرون الحاجبين، صغير الرأس، لطيف اليدين والقدمين، نحيف الجسم، مَتَّعه اللَّه بحواسّه حَتَّى تُوُفِّي.
رحل هُوَ والحافظ عَبْد الغنيّ، فأقاما ببَغْدَاد نحوا من أربع سنين، ثُمَّ رَجَعا وقد حَصَّلا الفقه والحديث والخلاف، أقاما خمسين ليلة عند الشَّيْخ عَبْد القادر، ومات. ثمّ أقاما عند أبي الفرج ابن الْجَوْزيّ، ثُمَّ انتقلا إلى رباط الشَّيْخ محمود النّعّال، واشتغلا على ابن المَنِّي.
ثُمَّ سافرَ هُوَ ثانية إلى بَغْدَاد سنة سبعٍ وستّين، هُوَ وَالشَّيْخ العِماد، فأقاما سنة. وَكَانَ لَحِقَهما عُبَيْد اللَّه أخوه، وَعَبْد الملك بن عُثْمَان، فَضَيّقا عليهما، لكونهما حَدَثين، فرجع بهما إلى دمشق.