للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَفَد، وكُنّا نُرامي الكُفّار، فكان هُوَ يجعل النشّابة في القَوْس، ويرى الكافر أنْه يرميه فيتَتَرَّسُ منه، يفعل ذَلِكَ غير مرَّة، ولا يرمي حتّى تمكنه فرصة، ولمّا ماتَ ابنه أَبُو الفضل مُحَمَّد بهَمَذَان، جاءَهُ خبرُه، فحدّثني بعض مَنْ حَضَرَهُ أَنَّهُ استرجع، وقام يصلّي.

قلتُ [١] : كَانَ فاضلا [٢] ، مشتغلا، عاش نَيّفًا وعشرين سنة.

قَالَ [٣] : ولمّا مات ابنه أَبُو المجد عيسى، وكُنّا عنده، صَبَرَ، واحتسَبَ.

وسمعتُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يطلب من أهل بيته أن يغسلوا ثيابه، ولا يطبخوا، ولا يكلّفهم شيئا، بل هُوَ عندهم مثل الضَّيف، إن جاءوا بشيءٍ أكلَ، وإلّا سكتَ.

وكان يُصَلّي صلاة حَسَنَةً بخشوع، وحُسن رُكوع، وسُجود، ولا يكاد يصلّي سُنَّة الفجر والمغرب والعشاء، إلّا في بيته، اتّباعا للسُّنَّة. وكان يصلّي كلّ ليلة بين العشاءين ركعتين بالم تنزيل السجدة، وتَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ٦٧: ١ وركعتين ب «ياسين» و «الدّخان» ، لَا يكاد يخلّ بهنَّ. وكان يقوم باللّيل سَحَرًا يقرأ بالسُّبع، وربّما رفع صوتَهُ بالقراءة، وكان حَسَن الصوت، رحمه اللَّه عَلَيْهِ.

سَمِعْتُ الحافظ الزَّاهد أبا عَبْد اللَّه اليُونينيّ، قَالَ: لمّا كُنتُ أسْمَعُ شناعةَ الخَلْق عَلَى الحنابلة بالتّشبيه، عزمت عَلَى سُؤال الشيخ الموفّق عَنْ هذه المسألة، وهل هي مجرّد شناعة عليهم أو قَالَ بها بعضهم؟ أو هِيَ مقالة لا تظهر من علمائهم إلّا إلى من يؤثق بِهِ؟ وبقيت مدَّة شهور أريد أن أسأله، فَما يتّفق لي خُلُوّ المكان، إِلى أن سَهَّل اللَّه مرَّة بخُلُوّ الطّريق لي، وصعِدت معه إِلى الجبل، فلمّا كنّا عند الدّرب المُقابل لدار ابن محارب، وما اطّلع عَلَى ضميري سوى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فقلت لَهُ: يا سيّدي. فالتفت إليَّ، وأنا خلفه، فَقَالَ لي: التِّشبيه مُستحيل.

وما نطقتُ أَنَا لَهُ بأكثر من قولي: «يا سيّدي» . فلمّا قَالَ ذَلِكَ تجلّدت، وقد أخْبَر بما أريد أن أسأله عَنْهُ، وكشفَ اللَّه لَهُ الْأمر، فقلت له: لم؟ قال: لأنّ من شرط


[١] القول للذهبي.
[٢] المقصود أبا الفضل محمد ولد الموفّق.
[٣] القائل هو الضياء.