للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التشبيه أن نرى الشيء، ثمّ نشبّهه، من الّذي رأى اللَّه، ثمّ شبّهه لنا؟

وسمعت أبا عَبْد اللَّه بْن عُمَرَ بْن مُحَمَّد بْن جَعْفَر المقرئ يَقُولُ: جئت إِلى الشيخ الموفّق، وعنده جماعة، فسلّمت، فردّ عليَّ ردّا ضعيفا، فقعدت ساعة، فلمّا قام الجماعة، قَالَ لي: اذهب فاغتسل. فبقيت متفكّرا، ثُمَّ قَالَ لي: اذهب فاغتسل. فتفكّرت، فإذا قد أصابتني جنابة من أول اللّيل ونسيتها.

وسمعتُ الشريف أبا عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن كَبّاس الْأعناكيَّ يَقُولُ: كنتُ يوما أتفكّر في نفسي، ولو أنْ لي شيئا من الدُّنيا لبنيت مدرسة للشيخ الموفّق، وجعلت لَهُ كلّ يوم ألف درهم، ثُمَّ إنّني قمت، فجئت إِلَيْهِ فسَلَّمتُ عَلَيْهِ، فنظر إليَّ وتَبَسَّم، وقَالَ: إذَا نوى الشخص نِيَّة خير كُتِبَ لَهُ أجرها! وقال أَبُو شامة [١] : - وذَكَر الشيخ الموفّق- فَقَالَ: كَانَ إماما من أئمَّة المُسلمين، وعَلَمًا من أعلام الدِّين في العِلْم والعَمَل. صنّف كُتبًا كثيرة حسانا في الفقه، وغيره. ولكنّ كلامه فيما يتعلّق بالعقائد في مسائل الصفات عَلَى الطّريقة المشهورة عَنْ أهل مذهبه، فسبحان من لم يوضح لَهُ الْأمر فيها عَلَى جلالته في العلم ومعرفته بمعاني الْأخبار والآثار [٢] . سَمِعْتُ منه «مُسْنِد» الشافعيّ بِفَوْت ورقتين، وكتاب «النَّصيحة» لابن شاهين.

وقال غير واحدٍ عن عِزّ الدّين بْن عَبْد السلام، شيخ الشافعية: إنّه سئل:

أيّما كان أعلم فخر الدّين ابن عساكر، أم الشيخ الموفّق؟ فغَضِبَ، وقال: واللَّه موفْق الدّين كَانَ أعلم بمذهب الشافعيّ من ابن عساكر، فضلا عَنْ مَذْهبه.

قَالَ أَبُو شامة [٣] : ومن أظرف ما يُحكى عَن الموفّق أنّه كان يجعل في


[١] في ذيل الروضتين ١٣٩.
[٢] علّق المؤلف- رحمه الله- في: «سير أعلام النبلاء ٢٢/ ١٧٢» على رأي أبي شامة- وهو أشعريّ- بقوله: «وهو وأمثاله متعجّب منكم مع علمكم وذكائكم كيف قلتم! وكذا كل فرقة تتعجب من الأخرى، ولا عجب في ذلك، ونرجو لكل من بذل جهده في تطلّب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة» .
[٣] في ذيل الروضتين ١٤٠.