للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو المُظَفَّر الجوزيّ [١] : قلّ بَصَرُ الخليفة في الآخر، قيل: ذهب جملة. وكان خادمُه رشيقٌ قد استولى على الخلافة، وأقام مُدَّة يُوقِعُ منه شدّة وشَقَّ ذَكره مرارا، وما زال يعتريه حَتّى قتله. وغسّله خالي محيي الدِّين يوسُف.

وقال الموفّق: أمّا مرضُ موته، فسهْوٌ ونسيان، بقي به ستّةَ أشهر ولم يشعر أحد من الرعية بكُنْه حاله، حَتّى خَفِيَ على الوزير وأهلِ الدّار. وكان لَهُ جاريةٌ قد علّمها الخطِّ بنفسه، فكانت تكتب مثل خطّه، فتكتب على التّواقيع بمشهورة قَهْرَمَانَةِ الدّار. وفي أثناء ذلك نزل جلال الدِّين محمد خُوارزم شاه على ضواحي بغداد هاربا مُنَفَّضًا مِن المال والرجال والدّوابُ، فَأَفْسَدَ بقدر ما كانت تَصِلُ يدُه إليه. وكانوا يُدارونه ولا يُمضون فيه أمرا لِغيبة رأي الخليفة عنهم، إلى أن راح إلى أَذْرَبَيْجَان، ونهب في ذهابه دَقُوقًا واستباحها.

وكانت خلافتُه سبعا وأربعين سَنةَ. تُوُفّي في سَلْخ رمضان، وبُويَع لِولده أبي نصر ولُقِّبَ بالظَّاهر بأمر الله، فكانت خلافتُه تسعة أشهر.

وذكر العَدْلُ شمس الدِّين مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن أبي بَكْرٍ الْجَزَرِيُّ قَالَ [٢] :

حَدَّثَنِي وَالِدِي قَالَ: سَمِعْتُ الوزير مؤيّد الدين ابن الْعَلْقَمِيِّ لَمَّا كَانَ عَلَى الأُسْتَاذِ دَاريَّة [٣] ، يَقُولُ: إِنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَشْرَبُهُ الإِمَامُ النَّاصِرُ كَانَتْ تَجِيءُ بِهِ الدَّوَابُ مِنْ بَغْدَادَ بِسَبْعَةِ فَرَاسِخَ، وَيُغْلِى سَبْعَ غَلْوَاتٍ، كُلَّ يَوْمٍ غَلْوَةٌ، ثُمَّ يُحْبَسُ فِي الأَوْعِيَةِ سَبْعَةَ أيََّامٍ، ثُمَّ يَشْرَبُ مِنْهُ، وَبَعْدَ هَذَا [الاحْتِرَازِ] [٤] مَا مَاتَ حَتّى سُقِيَ الْمُرَقِّدَ [٥] ثَلاثَ مِرَارٍ وَشُقَّ ذَكَرُهُ وَأُخْرِجَ منه الحصى [٦] .


[١] في مرآة الزمان ج ٨ ق ٢/ ٦٣٥.
[٢] في كتاب «حوادث الزمان وأنبائه ووفيات الأكابر والأعيان من أبنائه» ص ١٢٢، وقد اختصر الذهبي هذا القسم من تاريخه، ووصل إلينا هذا المختصر بخطه، وقام بتحقيقه السيد خضير عباس محمد خليفة المنشداوي، من بغداد، وكنت وسيطا بينه وبين دار الكتاب العربيّ في بيروت حيث قامت بطباعته ونشره سنة ١٤٠٨ هـ-/ ١٩٨٨ م، باسم: «المختار من تاريخ ابن الجزري» .
[٣] انظر عن هذا المنصب في: صبح الأعشى للقلقشندي ٤/ ٢٠.
[٤] إضافة من المختار من تاريخ ابن الجزري ١٢٢.
[٥] المرقّد: دواء يرقّد شاربه وينوّمه. (تاج العروس- مرقد) . وانظر الجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار ٢/ ١٧٥، ١٨٦.
[٦] زاد ابن الجزري: «وبنادق رمل» .