للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن الساعي: فأصبح النّاسُ يوم الأحد- يعني يوم الثلاثين من رمضان- وقد أغلقت أبوابُ دارِ الخلافة، وتولّى غسْلَه محيي الدِّين ابن الجوزيّ، وصَلَّى عليه ولدُه الظاهر بأمر الله بعد أن بُويع، بايعه أولا أقاربه، ثم نائب الوزارة مؤيّد الدِّين محمد القُمي وولدُه فخر الدِّين أحمد، والأستاذ دار عَضُدِ الدّولة أبو نصر ابن الضّحّاك، وقاضي القضاة محيي الدّين ابن فَضْلان الشافعيّ، والنقيبُ قِوام الدِّين أبو عليّ الموسويّ. ودُفِنَ بصحن الدَّار، ثمّ نُقِلَ بعد شهرين إلى التُّرَبِ [١] ، ومشى الخلقُ بَيْنَ يدي جنازته. وأمّا بيعةُ الظاهر، فهي في سَنَةِ اثنتين [٢] في الحوادث.

وقال ابن الأَثير [٣] : بقي النّاصرُ ثلاثَ سنين عاطلا عن الحركة بالكُلِّية وقد ذهبت إحدى عينيه، وفي الآخر أصابه دُوسنطاريا عشرين يوما، ومات ولم يُطلِقْ في طول مرضه شيئا ممّا كَانَ أحدثه من الرسوم. وكان سيئَ السِّيرة خَرِبَ في أيَّامه العراقُ، وتفرَّق أهلُه في البلاد، وأخذ أموالَهم وأملاكَهم.

قال: وكان يفعلُ الشيءَ وضِدَّه، جعل همَّه في رمي البُنْدِق والطُّيور المناسيب، وسراويلات الفُتُوّة.

ونقل الظّهير الكازرونيّ في «تاريخه» [٤] وأجازه لي أنّ الناصر في وسط خلافته هَمَّ بترك الخِلافة، والانقطاع إلى التَّعبّد. وكتب عنه ابن الضّحّاك توقيعا [٥] فقُرِئَ على الأعيان، وبنى رباطا للفقراء [٦] ، وأتَّخذ إلى جانب الرِّباط دارا لنفسه كَانَ يتردَّدُ إليها، ويحادث الصوفية وعمل له ثيابا كبيرة بزيّ الصوفية.


[١] في المختار من تاريخ ابن الجزري ١٢٣ «قرب الرصافة» .
[٢] أي سنة ٦٢٢ هـ-.
[٣] في الكامل ١٢/ ٤٤٠.
[٤] أي في تاريخه الكبير، وهو غير «مختصر التاريخ» الّذي حقّقه الدكتور مصطفى جواد- رحمه الله- ونشر في بغداد ١٩٧٠.
[٥] نشره الدكتور بشار عوّاد معروف في مجلّة «المورد» العراقية، العدد ٣، من السنة الثالثة، ١٩٧٤.
[٦] هو رباط المرزبانية.