وعمّر الشيخ فخر الدين زاوية بالقرافة محتوية على معبد الإمام العارف الكبير ذي النون المصري. وكان الشيخ فخر الدين متضلّعا بالعلم والحديث، صنّف في علم الطريق وأحواله مصنّفا حسنا وانتسب له جمع كبير. وشهرته عظيمة غنيّة عن كثرة الإيضاح. ورأيت له حكاية عجيبة وهي أن رجلا من صلحاء القرافة مات فعمل له أصحابه عرسا واجتمع إليه عالم كثير في زاوية تعرف بزاوية مسعود الغرابيلي. وأحضروا قوّالا كان قد انفرد بالغناء في وقته يقال له الفصيح. فلما اجتمعوا قالوا: من المصلحة أن نعلم الشيخ فخر الدين بهذه الصورة قبل أن نفعلها، فمضوا إليه وأعلموه فقام معهم، وحضر بحرمته العظيمة، وهيئته المحترمة، وأصحابه حوله وبين يديه. فلما جلس والناس بأسرهم قد اجتمعوا لأجل الفصيح. وكان في أول شهرته وقبول الناس عليه. وهو شاب حسن الصورة. واجتمع الناس محدقين بالشيخ فخر الدين الفارسيّ يتأملون ما يصدر عنه. فأشار بتبطيل الفصيح، وأنكر صورة الاجتماع لأجله، فسمع الفصيح بذلك فهرب خوفا من الشيخ. وكفرت نفوس النفوس بسبب فوتهم الأمر الّذي اجتمعوا بسببه، وزهقت أرواحهم. فعلم الشيخ منهم ذلك فتكلّم بكلام كثير ثم قال: ضمان السّماع عليّ. ثم أشار إلى فقير مزمزم يقال له علي ابن الزرزور، يجلس بين الخلق، وكان الجمع كثيرا. فغنّى إلى أن قال دو بيت مضمومة: كررت في مذهب العشق زمان ... حتى ظهرت أدلّة الحق وبان لا زلت أوحّد الّذي أعشقه ... حتى ارتحل الشرك عن القلب ديان فقام الشيخ فخر الدين الفارسيّ ووضع عمامته على الأرض، وحجل بهيئته وحرمته واستغراق وجده في سماعه. فما بقي على الأرض إلّا من طاب. وكشف الخلائق رءوسهم صارخين وقتا متّسعا. وحمدت الخلائق الله إذ عوّضهم من الشيخ وسماعه وبجلالة قدره ما فاتهم من قوّال كانوا يفتنون به. ووفى الشيخ فخر الدين لهم بضمانه. وأنا كنت حاضرا هذه القضية رضي الله عنه، (سير الأولياء) . [٢] انظر عن (محمد بن إسماعيل) في: عقود الجمان لابن الشعار ٦/ ورقة ١٧٩- ١٨٥، والتكملة لوفيات النقلة ٣/ ١٦٦ رقم ٢٠٨٢، والتاريخ المنصوري لابن نظيف الحموي ١١٢، وذيل مرآة الزمان لليونيني (في ترجمة شرف الدين عبد العزيز الأنصاري) ، والوافي بالوفيات ٢/ ٢٢٠- ٢٢٤ رقم ٦١٧، وتاريخ ابن الفرات ١٠/ ورقة ٦٥.