للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتخرَّجَ به جماعةٌ كبيرة من الأطبّاء. وصَنَّف في الصنعة كتبا، منها:

كتاب «الْجُنينة» [١] واختصار «الحاوي» لابن زكريّا الرّازيّ، و «مقالة في الاستفراغ» [٢] وغير ذلك.

وقد أطنب ابن أبي أُصيبعة في وصفه، وقال [٣] : كَانَ أوحدَ عصره، وفريدَ دَهْره، وعَلَّامة زمانه، وإليه رئاسةُ صناعة الطّبِّ- على ما ينبغي- أتعب نفسَه في الاشتغال حَتّى فاقَ أهلَ زمانه، وحظيَ عند الملوك ونال المال والجاه. وكان أبوه كحّالا مشهورا، وكذلك أخوه حامد بن عليِّ. وكان هُوَ في أول أمره يُكحّل. وقد نسخ كُتبًا كثيرة بخطّه المَنْسوب [٤] أكثَر من مائة مجلّد في الطّبِّ وغيره. وأخذ العربيةَ عن الكِنْديّ، وقرأ على الرَّضِيّ الرَّحَبِيّ، ثمّ لازمَ المُوفَّق ابن المطران مُدَّةً حَتّى مَهَرَ، ثمّ أخذَ عن الفَخْر الماردينيِّ لَمّا قَدِمَ دمشق في أيام صلاح الدِّين. ثمّ خَدَمَ الملك العادل، ولازم خدمة صفيّ الدّين ابن شُكْر بعدَ الحكيم المُوفَّق عبد العزيز، ونزل على جامكيَّة [٥] مائة دينارٍ في الشهر من الذّهب الصّوريّ [٦] . ثمّ حظي عند العادل بحيث إنَّه حصل لَهُ منه في مرضة صعبةٍ سَنَة عشر وستمائة سبعة آلاف دينار مصرية. ومرض الملك الكامل بمصر، فعالجه الدّخوار، فحصل لَهُ من جهته أموال.

قال ابن أبي أصيبعة: فكان مبلغُ ما وصل إليه من الذّهب نوبة الكامل نحو اثني عشر ألف دينار، وأربع عشرة بغلة بأطواق ذهب والخلع الأطلس وغيرها وذلك في سَنَةِ اثنتي عشرة وستمائة.

قال: وولّاه السُّلطان الكبير في ذلك الوَقْت رئاسة أطبّاء مصر والشام.

وكان خبيرا بكلّ ما يُقرأ عليه. وقرأت عليه مُدَّة، وكان في كبره يلازم


[١] قال فيه ابن أصيبعة إنه «تعاليق ومسائل في الطب وشكوك طيبة وردّ أجوبتها» . (عيون الأنباء ٢/ ٢٤٦) .
[٢] ألّفها بدمشق في شهر ربيع الأول سنة ٦٢٢ كما قال ابن أبي أصيبعة (٢/ ٢٤٦) .
[٣] في عيون الأنباء ٢/ ٢٣٩ وما بعدها.
[٤] أي المنسوب إلى قاعدة من قواعد الخط المعروفة.
[٥] الجامكية: الراتب.
[٦] الصّوري: الدنانير التي نقش عليها صورة. أو «الصّوريّ» بسكون الواو، نسبة إلى مدينة صور بساحل الشام.