سئل الضياءُ عَنْهُ فقال: فقيهٌ، خَيِّر، كريمُ النفسِ، ونالته محْنَةٌ، فإنَّ سنةَ أربعٍ وعشرين صامُوا ببغداد رمضانَ بشهادة اثنين، ثم ثاني ليلة رُقِبَ الهلالُ فلم يُر، ولاحَ خطأُ الشهودِ، وأفطَر قومٌ من أصحاب أَبِي صالح، فأمْسكوا ستّة من أعيانهم، فاعترفوا، فعزّزوا بالدِّرة وحُبسُوا. ثم أُخذ الذين شهَدُوا، فحُبِسُوا وضُربَ كلُّ واحد خمسين، ثم إنَّ قاضيَ المُحَوَّل أفطر بعد الثلاثين عَلَى حساب ما شهدوا، فضُربَ، وطيفَ بِهِ. واحتمى أَبُو صالح بالرُّصافةِ فِي بيت حائكٍ، واجتمع عنده خلقٌ من بابِ الأزَج، فمُنِعوا من الدّخول إِلَيْهِ، ثم أُطْلِقَ بعد انسلاخ شوَّال. نعم.
وذكره ابنُ النجّار، فقال: قَرَأ الخلافَ عَلَى أَبِي مُحَمَّد بْن أَبِي عَلِيّ النُّوقانيّ الشافعيّ. ودَرَّس بمدرسة جدِّه. وبُنيِتْ لَهُ دَكَّةٌ بجامع القَصْرِ للمناظرةِ، وجلسَ للوَعْظِ. وكان لَهُ قبولٌ تامّ، ويحضرُه خلقٌ كثير. وأُذِنَ لَهُ فِي الدّخول على الأمير أبي نصر محمد ابن الْإمَام الناصر فِي كلّ جُمُعة لسماع «مُسنِد» الْإمَام أَحْمَد منه بإجازتِه من أَبِيهِ الناصرِ، فحَصلَ لَهُ بِهِ أُنسٌ. فلما استخلف، قَلَّده القضاءَ فِي ذي القَعْدَةِ سنة اثنتين وعشرين، فسارَ السِّيرةَ الحَسَنَةَ، وسلَكَ الطريقةَ المستقيمة، وأقامَ ناموسَ الشَّرع، ولم يُحاب أحدا فِي دين اللَّه. وكانَ لَا يمُكِّنُ أحدا من الصِّياح بين يدَيْه. ويمضي إلى الْجُمُعة ماشيا. ويكتبُ الشُّهود من دواتِه فِي مجلسِه. فلمَّا أفْضَتِ الخلافةُ إلى المستنصرِ أقرَّه أشهرا، ثم عَزَلَه. رَوَى الكثير.
وكان ثقة مُتحرِّيًا، لَهُ فِي المذهب اليدُ الطُّولي. وكان لطيفا، مُتواضعًا، مَزَّاحًا، كَيِّسًا. وكان مِقْدامًا رجلا من الرِّجال، سمعته يَقُولُ: كنتُ فِي دارِ الوزير القُمِّي وهناك جماعةٌ، إذْ دخلَ رجلٌ ذو هيئةٍ، فقاموا لَهُ وخَدَموه، فقمتُ، وظننته بعضَ الفقهاء، فقيل: هذا ابنُ كرم اليهوديُّ عاملُ دارِ الضرب، فقلتُ لَهُ: تعالَ إلى