للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبيتُ لأوْثانٍ [١] وكعبةُ طائفٍ ... وألْواح تَوْراةٍ ومُصْحفُ قُرآنِ

أدِينُ بدِينِ الحُبِّ أَيْنَ تَوجَّهَتْ ... ركائبُه فالحُبُّ ديني وإيماني

وله من قصيدة:

عَقَدَ الخلائقُ فِي الإلهِ عقائدا ... وأنا اعتقَدَتُ جَميعَ ما اعتقدُوه [٢]

هذا الرجل كَانَ قد تصوّف، وانعزلَ، وجاعَ، وسَهرَ، وفُتحِ عَلَيْهِ بأشياء امتَزَجَتْ بعالم الخيال، والخطرات، والفكرة، فاستحكم بِهِ ذَلِكَ حتّى شاهد بقوّة الخيالِ أشياءَ ظنّها موجودة فِي الخارج. وسَمِعَ من طَيش دماغِه خِطابًا أعتقده من اللَّه ولا وجودَ لذلك أبدا فِي الخارج، حتّى أَنَّهُ قَالَ: لم يكُن الحقُّ أوقَفني عَلَى ما سطَّره لي فِي توقيع ولايتي أمور العالم، حتّى أعلمني بأني خاتمُ الوِلايةِ المحمّدية بمدينة فاس سنة خمسٍ وتسعين. فلمّا كانت ليلة الخميس فِي سنة ثلاثين وستمائة أوقَفني الحقُّ عَلَى التّوقيع فِي ورقة بيضاء، فرسمتُه بنصّه: هذا توقيع إلهي كريم من الرؤوف الرحيم إلى فلان، وقد أجزَلَ لَهُ رِفَده وما خَيَّبْنا قصدَه، فلينهضْ إلى ما فُوِّض إِلَيْهِ، ولا تَشْغَلْه الوِلايةُ عن المُثولِ بين أيدينا شَهرًا بشهرٍ إلى انقضاء العمر.

ومن كلامِه فِي كتاب «فُصوص الحَكَم» [٣] قَالَ: اعلَمْ أنّ التنزيه عند أهل الحقائق فِي الجنابِ الإلهي عينُ التّحديد والتّقييد، فالمُنزه، إمَّا جاهلٌ وإمّا صاحب سوء أدب، ولكن إذ أطلقاه، وقالا بِهِ، فالقائل بالشرائع المؤمنُ إذا نزَّه ووَقَف عند التنزيه، ولم يرَ غيرَ ذَلِكَ، فقد أساء الأدب، وأكذبَ الحقّ والرُّسلَ وهو لا يَشْعر، وهو كمنْ آمنَ ببعضٍ وكفرَ ببعض، ولا سيَّما وقد عَلِمْ أنَّ ألسنة الشرائع الإلهية إذا


[١] في لسان الميزان «وبيتا لأصنام» .
[٢] وقال ابن النجار: أنشدني أبو عبد الله محمد بن العربيّ لنفسه بدمشق:
أيا حايرا ما بين علم وشهوة ... ليتّصلا، ما بين ضدّين من وصل
ومن لم يكن يستنشق الريح لم يكن ... يرى الفضل للمسك الفتيق على الزيل
(المستفاد ٣٨) .
[٣] انظر «الفصوص» ١/ ٦٨ و ٧٢ و ٧٨ و ٨٣.