وكان رحمه اللَّه ملازما لجبل الصّالحيّة، قَلّ أن يدخل البلد أو يحدّث. ولا أعلم أحدا سَمِعَ منه بالمدينة، وإنْ كَانَ فَنَزْرٌ يسير.
أخذ عَنْهُ جماعة من شيوخه، وروى عَنْهُ: الحافظ أَبُو عَبْد اللَّه البِرْزاليّ، والحافظ أَبُو عَبْد اللَّه بْن النّجّار، وجماعة.
ومن شيوخنا: أبو العبّاس بن الظّاهريّ، وأبو الفداء إِسْمَاعِيل بْن الفرّاء، والتّقيّ أَحْمَد بْن مؤمن، وَالشَّيْخ مُحَمَّد بْن حازم، وَالشَّيْخ عَلِيّ بْن بقا، والنّجم موسى الشّقْراويّ، والنّجم إِسْمَاعِيل بْن الخبّاز، وداود بْن حمزة، وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ ابن الموازينيّ، وعثمان الحمصيّ، والشّهاب أَحْمَد الدّشتيّ، وَأَبُو عَلِيّ بْن الخلّال، وعيسى بْن المُطْعِم، وَأَبُو بَكْر بْن عَبْد الدّائم، وَمُحَمَّد ابن خطيب بيت الآبار، وزينب بنت عبد الله ابن الرّضيّ، والقاضي المجد سالم بْن أَبِي الهيجا، وَمُحَمَّد بْن يوسف الذّهبيّ، ومُسْنِد الشّام القاضي تقيّ الدّين سُلَيْمَان فأكثر عَنْهُ، فإنّي سَمِعْتُهُ يَقْولُ: سَمِعْتُ من شيخنا الضّياء ألف جزء.
وقرأت بخطّ المحدّث مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن سلام قَالَ: مُحَمَّد بْن عَبْد الواحد شيخنا، ما رَأَيْت مثله فِي ما اجتمع لَهُ. كَانَ مقدَّمًا فِي علم الحديث، فكأنّ هذا العِلم قد انتهى إِلَيْهِ وسلَّم لَهُ. ونظر فِي الفِقْه وناظَرَ فِيهِ. وجمع بين فِقه الحديث ومعانيه. وشدّ طرفا من الأدب وكثيرا من اللّغة والتّفسير.
وكان يحفظ القرآن واشتغل مدّة بِهِ، وقرأ بالرّوايات عَلَى مشايخ عديدة، وكان يتلوه تلاوة عذْبة. وجمع كلَّ هذا مَعَ الورع التّامّ والتّقشُّف الزَّائد، والتّعفُّف والقناعة والمروءة والعبادة الكثيرة، وطلْق النَّفْس وتجنّبها أحوال الدّنيا ورُعُوناتها، والرّفق بالغُرباء والطُّلاب، والانقطاع عَن النّاس، وطول الرّوح على الفقير والغريب. وكان محبّا لمن يأخذ عنه، مكرما لمن يسمع عليه. وكان يحرّض على الاشتغال، ويعاون بإعارة الكتب. وكنت أسأله عَن المشكلات فيجيبني أجوبة شافية عجز عَنْهَا المتقدّمون، ولم يدرك شَأْوها المتأخّرون. قرأتُ عَلَيْهِ الكثير، وما أفادني أحدٌ كإفادته. وكان ينبّهني عَلَى المهمّات من العوالي، ويأمرني بسماعها، ويُكْرمني كثيرا.