للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على ما خالف ذلك، لأنّه حريصٌ على ابتغاء مرضاة [١] الله، مجتهدٌ في خلاص نفسه. ولا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا وُسْعَها ٢: ٢٨٦ [٢] ، والله لا يسأل العبد لِمَ لا أكلتَ كلّ مباحٍ، بل يسأله لِمَ أكلتَ الحرام، ويسأله لماذا حرَّمت على نفسك ما أبَحْتُ لك مع علمك بإباحتي له، لا مع جهلك بالإباحة. هذا مع التَّسليم بأنّ الورع بالعِلم أفضل وأرفع، وذلك حال الأنبياء صلوات الله عليهم، مع أنّ لهم فيه شرائع وطرائف كطريقة سليمان عليه السّلام في الملك والإكثار من مُبَاحات الدّنيا، وكطريقة عيسى عليه السّلام في السّياحة والإعراض عن الدّنيا بكلّ وجه، وكطريقة داود في أمورٍ، وطريقة إبراهيم الخليل في قِرَى الضَّيف، وأشرفُ طُرُقِهم وأفضلها طريقة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّها حنيفيّة إبراهيميّة سَمْحة، سهلة، بريئة من الغُلُوّ والتّعمُّق والتَّنَطُّع. اللَّهمّ استعملْنا بها، وأمِتْنا على محبّتها، واكْفِنا الوقيعةَ في عبادك الصالحين.

فمن مناقب القبّاريّ، رحمة الله عليه:

قال العلّامة ناصر الدّين أبو العبّاس أحمد بن المُنَيّر الإسكندرانيّ في «مناقب القبّاريّ» رحمة الله عليه، وهي نحوٌ من خمسة كراريس، قال: كان الشّيخ في مبدئه قد حُبِّبَ إليه سماع العِلم، وبُغِّض إليه تناول غير ميراثه من أبيه، فلا يذكر منذ عَقَلَ أمرَه أنه قَبِل من أحدٍ لُقْمةً ولا ثمرَة. حتّى كان له جارٌ في الكَرْم وقف به يوما وهو يبيع الرُّطَب، فعرض عليه رُطْبةً استحسَنَها وسأله أن يأكلها، فقال: لا. فألحّ عليه، وحلف عليه جارُه يمينا: لا آكُلُ لك شيئا.

فكان بعد يتأسّفُ ويتندَّم على يمينه.

قال: وكان يحضر مجالسَ العِلم على ثِقَل سمْعِه، فإذا انقضى الدّرس سأل من أترابه أن يعيدوا له بصوتٍ عالٍ كلامَ المدرّس.

قال: وكان قَلّ أنْ يدعو لأحدٍ، بل يطلب منه الدّعاء، فيقول للطّالب:


[١] في الأصل، مرضات، بالتاء المفتوحة.
[٢] سورة البقرة، الآية ٢٨٦ آخر آية في السورة) .