الأمير أبو عَبْد الله ابن الأمير أبي زكريّا الهَنْتانيّ، البربريّ، الموحّديّ، صاحب تونُس، وأجَلُّ ملوك المغرب فِي زمانه.
كان جَدّه الشَّيْخ عُمَر الهنتانيّ من العَشَرة خواصّ ابن تومرت. وولي أبو زكريّا المُلْك مُدّةً، ومات فِي سنة سبْعٍ وأربعين وستّمائة. وكان قد عهد إِلَى ولده أبي عَبْد الله هَذَا. فذكر الشَّيْخ قُطْبُ الدّين أنّ ابن شدّاد نقل فِي «سيرة الملك الظّاهر» أنّ الأمير أَبَا عَبْد الله كان ملكا مدبّرا، عالي الهمّة، شجاعا، سائسا، متحيّلا على بلوغ مقاصده، مقتحما للأخطار، كريما، جوادا، ذا عزْمٍ بالعمارات واللّذّات، تُزَفّ إليه كلّ ليلة جارية.
وكان وليّ عهد أَبِيهِ، واتّفق موت أَبِيهِ وهو غائب عن تونس، يعني أَبَا عَبْد الله، فساق إليها على بغْلٍ فِي خمسة أيّام، ومات البغل، وأسرع خوفا من عمَّيْه، ثُمَّ لمّا تمكّن قُتِلَ عمّيه، وأنفق فِي العرب الأموال واستخدمهم، وأباد جماعة من الخوارج عليه، وظفر بجماعةٍ من أعيانهم وسجنهم، ثُمَّ أهلكهم ببناء قُبّةٍ عمل أساسَها من ملح، وحبسهم بها، ثُمَّ أرسل الماء على أساسها، فانردمت عليهم.
وكانت أسلحة الجيش كلّها فِي خزائنه، فإذا وقع أمرٌ أخرجها وفرّقها عليهم، وَإِذَا فرغ الحرب أعادها إِلَى الخزائن. ولم يكن لجُنْده إقطاع، بل يجمع ارتفاع البلاد، فيأخذ لنفسه الرّبع والثّمن، وينفق ما بقي فيهم في كلّ عام أربع نفقات.
تُوُفِّيَ فِي أواخر هذه السّنة [١] ، وهو في عَشْر السّتّين، وتملّك بعده ابنه أبو زكريّا يحيى.
وكتب إِلَيَّ أبو حيّان، وحدَّثني عَنْهُ أبو الصّفا الصّفديّ أنّ المستنصر باللَّه
[١] وقال ابن شدّاد: وكان سبب موته أنه خرج إلى الصيد، وحصل له من كثرة الحركة انزعاج، فتغلّث مزاجه، وزاد به الألم، فعاد إلى المدينة، وهو ضعيف، فبقي على ذلك مدّة إلى أن توفي وله من العمر اثنتان وخمسون سنة تخمينا لا يقينا. (تاريخ الملك الظاهر) .