للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الشَّيْخ قُطْبُ الدّين [١] : وَفِي ليلة الأربعاء رابع وعشرين رجب تُوُفِّيَ الشَّيْخ محيي الدّين النّووي صاحب التّصانيف بنوى ودُفن بها [٢] . وكان أوحد زمانه فِي الورع والعبادة والتّقلل وخشونة العيش والأمر بالمعروف.

واقَفَ الملك الظّاهر بدار العدل غير مرّة، وحُكي عن الملك الظّاهر أنّه قَالَ: أَنَا أفزع منه.

وكانت مقاصده جميلة. وُلّي مشيخة دار الحديث.

قلت: وُلّيها بعد موت أبي شامة سنة خمسٍ وستّين وإلى أن مات.

وقال شمس الدّين ابن الفخر: كان إماما، بارعا، حافظا. مُفْتيًا، أتقن علوما شتّى، وصنَّف التّصانيف الجمّة. وكان شديد الورع والزّهد. ترك جميع مَلاذّ الدُّنيا من المأكول إلّا ما يأتيه به أَبُوهُ من كعك يابس وتين حَورانيّ، والملبس إلّا الثّياب الرّثّة المرقَّعة. ولم يدخل الحمّام. وترك الفواكه جميعها.

وكان أمّارا بالمعروف ناهيا عن المنكر على الأمراء والملوك والنّاس عامّة، فنسأل الله أن يرضى عَنْهُ وأن يرضى عنّا به [٣] .


[١] في ذيل مرآة الزمان ٣/ ٢٨٣.
[٢] وقد أنشد ابن الوردي فيه يرثيه:
لقيت خيرا يا نوى ... وحرست من ألم النوى
فلقد نشا بك زاهد ... في العلم أخلص ما نوى
وعلى عداه فضله ... فضل الحبوب على النوى
[٣] وقال شهاب الدين النويري: «لم يكن في زمانه مثله في ورعه وزهده، وكان لا يأكل إلّا مما يأتيه من جهة أبيه من نوى، فكان يخبز له الخبز بها ويقمّر ويرسل إليه فيأكل منه، وما كان يجمع بين إدامين، فيأكل إمّا الدبس أو الخلّ أو الزيت أو الزبيب، ويأكل اللحم في كل شهر مرة. وكان يتولّى دار الحديث الأشرفية، فيجمع المباشر للوقف جامكيّته بها، ثم يستأذنه فيما يفعل بها إذا اجتمعت، فتارة يشتري بها ملكا ويوقفه على المكان، وتارة يشتري بها كتبا ويوقفها ويجعلها في خزانة المدرسة المذكورة. وكان لا يقبل لأحد هدية، ولا يأكل لأحد من أهل دمشق طعاما ولا غيره، وكان- رحمه الله تعالى- يواجه السلطان الملك الظاهر بالإنكار عليه في أفعاله، ويلاطفه السلطان ويحمل جفوة كلامه ويخاطبه: يا سيّدي. رحمه الله تعالى» . (نهاية الأرب ٣٠/ ٣٨٤) .