للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وذِكرْ مناقبه يطول. وتَرَكَ جميع الجهات الدّنياويّة ولم يكن يتناول من جهةٍ من الجهات دِرهمًا فردا.

وحكى لنا الشَّيْخ أبو الْحَسَن بْن العطّار أنّ الشَّيْخ قلع ثوبه ففلّاه بعض الطَّلَبة، وكان فِيهِ قملٌ فنهاه وقال: دعه.

قلت: وكان فِي ملبسه مثل آحاد الفقهاء من الحوارنة لا يؤبه به. عليه شبخْتانيّة صغيرة، ولحيته سوداء فيها شعرات بيض، وعليه هيبة وسكينة.

وكان لا يتعاني لَفْظ الفُقهاء وعياطهم فِي البحث، بل يتكلّم بتؤدة وسمْت ووقار.

وقد رثاه غيرُ واحد يبلغون عشرين نفْسًا بأكثر من ستّمائة بيت، منهم:

مجد الدّين ابن الظّهير، وقاضي القضاة نجم الدّين ابن صَصْرَى، ومجد الدّين ابن المهتار، وعلاء الدّين الكِنْديّ الكاتب، والعفيف التِّلمْسانيّ الصُّوفيّ الشّاعر.

وأراد أقاربه أن يبنوا عليه قبّة فرأته عمّته، أو قرابةٌ له، فِي النّوم فقال لها: قولي لهم لا يفعلوا هَذَا الَّذِي قد عزموا عليه، فإنّهم كلّما بَنَوا شيئا تهدَّم عليهم. فانتبهتْ منزعجة وحدَّثتهم، وحوّطوا على قبره حجارة تردّ الدّوابّ.

قَالَ أبو الْحَسَن: وقال لي جماعة بنَوَى أنهم سألوه يوما أن لا ينساهم فِي عَرَصات القيامة، فقال لهم: إن كان لي ثُمَّ جاهٌ، واللهِ لا دخلتُ الجنّة وأحدٌ مِمَّنْ أعرفه ورائي.

قلت: ولا يحتمل كتابنا أكثر ممّا ذكرنا من سيرة هَذَا السّيّد رحمة الله عليه. وكان مذهبه فِي الصّفات السّمعية السّكوت وإمرارها كما جاءت. وربّما تأوَّل قليلا في شرح مسلم، رحمه الله تعالى [١] .


[١] جاء في هامش الأصل: ث. لم يرض التاج السبكي عن المؤلف بهذه الترجمة وكتب على خطه هنا حاشية.