ثُمَّ إنه عُزل عن الخطابة بموفق الدِّين ابن حُبيش الحَمَويّ، فتألم لذلك وترك الجهات، وأودع بعض كُتُبه، وكانت كثيرة جدا، وسار مع الركب الشاميّ سنة إحدى وتسعين فحجّ، وسار مع حجاج العراق إلى واسط.
وكان لطيف الشكل، صغير العمامة، يتعانى الرداء على ظهره وكان قد انحنى وانتحل واندك من كثرة الجماع فِي الشيخوخة. وخلف من الكُتُب ألفين ومائتي مجلَّدة.
تُوُفّي بواسط فِي بُكرة يوم الأربعاء سنة أربعٍ فِي مُستهل ذي الحجّة، وصُلّي عليه بدمشق صلاة الغائب بعد سبعة أشهر.
وسألت الشَّيْخ علي الواسطيّ الزَّاهد عن نسبته المصطفويّ، فقال: كان والده الشَّيْخ محيي الدِّين الفاروثيّ يذكر أَنَّهُ رَأَى النَّبيّ صَلَّى الله عليه وآله سلم فِي النوم، ووافاه فلهذا كان يكتب المصطفويّ.
وَحَدَّثَنَا ابن مؤمن المقرئ أنّه سمع الشَّيْخ عزَّ الدِّين لما قَدِمَ عليهم واسط وقيل له: كيف تركت الأرض المقدسة وجئتَ؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله سلم يقول لي: تحول إلى واسط لتموت بها وتُدفَن عند والدك. قال لي ابن مؤمن: وآخر درس عمله عمله بداره، فطلب إليه الفقهاء، وأنا حاضر، فبقي يلقي الكلمات من درسه ثُمَّ يغيب من قوة الضعف. وبقي يطلب إليه الفقهاء ويودّعهم ويقول: قد عرض لنا سَفَر فاجعلونا فِي حِلّ.
وبقينا نعجب من سفره وقد كبر وضعف، فَلَمّا كان بعد ثلاثة أيام أو نحوها تُوُفّي إلى رحمة اللَّه، وعُدّ ذَلِكَ من كراماته.
ثُمَّ حَدَّثَنِي ابن مؤمن قال: نا القدوة علي الواسطيّ قال: قال لنا الشَّيْخ قبل موته بنحو أسبوع: قد عزمت على السَّفر إلى شيراز فِي يوم كذا. وأظنني فِي ذَلِكَ اليوم أموت. فاتّفق موته فِي ذَلِكَ اليوم.