والجمهور على أنّ الإسراء والمعراج في ليلة واحدة، وأنّهما بالروح والجسد معا، يقظة، ولا مجيد عن ذلك بعد صحّة الخبر، وتمام الاعتقاد بقدرة القادر الحكيم الشاملة لكل ممكن، وردّ ذلك كلّه إلى عالم المثال الّذي يتخيّله صاحب «حجّة الله البالغة» على عادته في المشاكل- خروج عن الجادّة بدون أيّ حجّة ناهضة. وأمّا ما يروى عن عائشة رضي الله عنها من قولها: ما فقد جسد رسول الله صلى الله عليه وسلّم لكنّه أسري بروحه، فغير ثابت عنها البتّة، لأنّه من رواية ابن إسحاق المتوفّى في منتصف القرن الثاني من إدراك زمن عائشة، وأمّا ما يروى عن معاوية من أنّ الإسراء رؤيا صادقة، فغير ثابت عنه أيضا، للانقطاع بين شيخ ابن إسحاق يعقوب بن عتبة، وبين معاوية، لأنّه توفّي سنة ١٢٨، واين هذا التاريخ من وفاة معاوية. فلا يصحّ التعويل على مثل تلك الأخبار المنقطعة في ادّعاء أنّ الإسراء روحانيّ فقط، أو في حالة النّوم فقط. وقد اختلف في ليلة المعراج متى كانت، والّذي رجّحه النّوويّ في «الروضة» أنّها الليلة السابعة والعشرون من رجب، وإليه ذهب ابن الأثير والرافعيّ، ومن قال إنّها قبل سنة ونصف من الهجرة، يكون يرى هذا الرأي مثل ابن قتيبة، وابن عبد البرّ، لأنّ الهجرة كانت في ربيع الأول، فالسنة قبلها من صفر إلى صفر تراجعا، والستّة الأشهر قبلها من المحرّم إلى شعبان بالتراجع، فتكون الأيام الثلاثة من آخر رجب غير مذكورة تركا للكسر في الطرفين، وعلى ذلك عمل الأمّة. وهذا العروج ليس للتقرّب منه تعالى، لأنّ القرب منه لا يكون بالمسافة، قال تعالى: وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ٩٦: ١٩، وقال صلى الله عليه وسلّم: «أقرب ما يكون العبد من ربّه وهو ساجد» . [١] في حاشية الأصل هنا: (فأقره) بدلا من (أفرغها) الواردة في صلب الأصل، وصحيح مسلّم والبخاري.