للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِخُمُودِ النَّارِ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ، فَقَالَ الْمُوبَذَانُ:

وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ- أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ- فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ رُؤْيَا، ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فَقَالَ: أَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبَذَانُ؟ قَالَ: حَدَثٌ يَكُونُ فِي نَاحِيَةِ الْعَرَبِ، وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَكَتَبَ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ:

«مِنْ كِسْرَى مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَمَّا بَعْدُ، فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ. فَوَجَّهَ إليه بعبد المسيح بن حبّان بْنِ بُقَيْلَةَ [١] الْغَسَّانِيِّ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَلَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟

قَالَ: لِيَسْأَلْنِي الْمَلِكُ فَإِنْ كَانَ عِنْدِي عِلْمٌ وَإِلَّا أَخْبَرْتُهُ بِمَنْ يُعْلِمُهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى، فَقَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ سَطِيحٌ قَالَ: فَائْتِهِ فَسَلْهُ عَمَّا سَأَلْتُكَ وَائْتِنِي بِجَوَابِهِ، فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى عَلَى سَطِيحٍ وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ فَلَمْ يُحِرْ سَطِيحٌ جَوَابًا، فَأَنْشَأَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:

أَصَمُّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ ... أَمْ فَادَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ [٢]

يَا فَاصِلَ الْخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ وَمَنْ ... أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ

وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ ... أَزْرَقُ نَهْمُ [٣] النَّابِ صَرَّارُ الأُذُنْ [٤]

أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ والبدن ... رسول قيل [٥] العجم يسري للوسن


[١] هكذا في الأصل، وفي تاريخ الطبري ٢/ ١٦٧، وفي الروض الأنف ١/ ٢٩ والعقد الفريد ٢/ ٢٩ والمنتقى لابن الملّا «نفيلة» .
[٢] يعني عرض له الموت فقبضه، قال السهيليّ ١/ ٣٠ «فازلم به معناه: قبض، قال ثعلب، وقوله: شأو العنن، يريد الموت وما عن منه. قاله الخطابي، وفاد: مات، يقال منه: فاد يفود» .
[٣] في تاريخ الطبري ٢/ ١٦٧ «ممهى» بمعنى: محدّد، وفي النهاية لابن الأثير «مهمي» .
[٤] صرّار الأذن: صرّها: نصبها وسوّاها.
[٥] قيل: ملك.