للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَآهُ لا يَنْفَقُ عِنْدَهُ إِلا التَّقْوَى وَالدِّيَانَةُ فَلَزِمَ الْمَسْجِدَ وَالصَّلاةَ لِيَخْدَعَ عُمَرَ فَدَسَّ إِلَيْهِ عُمَرُ مَنْ سَارَةَ فَقَالَ: إنْ كَلَّمْتُ لَكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُوَلِّيَكَ الْبَصْرَةَ مَا تُعْطِينِي؟ فَوَعَدَهُ بمائة ألف، فأبلغ ذلك عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ فَنَفَاهُ عَنْهُ وَأَبْعَدَهُ.

وَقَدْ وَلاهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَةٍ فَدَامَ عَلَى الْقَضَاءِ إِلَى سَنَةِ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَوَلِيَ فِي غُضُونِ ذَلِكَ الصَّلاةَ وَالأَحْدَاثَ.

وَعَنْ جُوَيْرِيَّةَ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ: اسْتُخِلِفَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَوَفَدَ بِلالٌ فَهَنَّأَهُ وَقَالَ: مَنْ كَانَتِ الْخِلافَةُ يَا أَمِيرُ شَرَّفَتْهُ فَقَدْ شَرَّفْتَهَا وَمَنْ كَانَتْ زَانَتْهُ فَقَدْ زِنْتَهَا وَأَنْتَ كَمَا قَالَ مَالِكُ بْنُ أَسْمَاءَ [١] :

وَتَزِيدِينَ طِيبَ الطِّيبِ طِيبًا ... إِنْ تَمَسِّيهِ أَيْنَ مِثْلُكِ أيْنَا

وَإِذَا الدُّرُّ زَانَ حُسْنَ وُجُوهٍ ... كَانَ لِلدُّرِّ حُسْنُ وَجهِكَ زَيْنًا

فَجَزَاهُ عُمَرُ خَيْرًا وَلَزِمَ بِلالُ الْمَسْجِدَ يُصَلِّي وَيَقْرَأُ وَيَتَهَجَّدُ فَهَمَّ عُمَرُ بِهِ أَنْ يُوَلِّيَهُ الْعِرَاقَ ثُمَّ دَسَّ ثِقَةً لَهُ فَقَالَ لِبِلالٍ وَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَ: فَنَفَاهُ عُمَرُ وَقَالَ:

يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ إِنَّ صَاحِبَكُمْ أَعْطَى مَقُولا وَلَمْ يُعْطِ مَعْقُولا زَادَتْ بَلاغَتُهُ وَنَقَصَتْ زَهَادَتُهُ.

وَقِيلَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ أَخَذَ حَظَّ بِلالٍ بِالْمَالِ ثُمَّ حَمَلَ ذَلِكَ الْحَظُّ إِلَى عُمَرَ.

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ: كَانَ بِلالُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ ظَلُومًا جَائِرًا لا يُبَالِي مَا صَنَعَ فِي الْحُكْمِ ولا في غيره.


[١] انظر عنه: الأغاني ١٦/ ٤١، مختار الأغاني ٧/ ١٥٦.