للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: كَانَ بِلالِ قُد خَافَ الْجُذَامَ فَوُصِفَ لَهُ سَمْنٌ يَقْعُدُ فِيهِ فَكَانَ يَقْعُدُ ثُمَّ يَأْمُرُ بِالسَّمْنِ فَيُبَاعُ فَتُحِبُّ السُّوقَةُ شِرَاءَ السَّمْنِ.

وَفِيهِ يَقُولُ يَحْيَى بْنُ نَوْفَلٍ الْحِمْيَرِيُّ:

وَكُلُّ زَمَانِ الفَتَى قَدْ لَبِسْتُ ... خَيْرًا وَشَرًّا وَعُدْمًا وَمَالا

فَلا الفَقْرُ كُنْتُ لَهُ ضَارِعًا ... وَلا الْمَالُ أَظْهَرَ مِنِّي اخْتِيَالا

وَقَدْ طُفْتُ لِلْمالِ شَرْقَ الْبِلادِ ... وَغَرْبِيَّهَا وَبَلَوْتُ الرِّجَالا

فَلَوْ كُنْتُ مُمْتَدِحًا للنَّوَالِ ... فَتًى لَمَدَحْتُ عَلَيْهِ بِلالا

وَلَكِنَّنِي لَسْتُ مِمَّنْ يُرِيدُ ... بِمَدْحِ الْمُلُوكِ عَلَيْهِ النَّوَالا

سَيَكْفِي الْكَرِيمَ إخَاءُ الْكَرِيمِ ... وَيَقْنَعُ بِالْوَدَّ مِنْهُ سُؤَالا

ثُمَّ إِنَّهُ هَجَا بِلالا بِأَبْيَاتٍ، وَكَانَ بِلالُ مِنَ الأَكَلَةِ الْمَعْدُودِينَ.

ذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أن بلال أَرْسَلَ إِلَى قَصَّابٍ سَحَرًا قَالَ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ كَانُونٌ وَعِنْدَهُ تَيْسٌ ضَخْمٌ فَقَالَ: اذْبَحْهُ وَاسْلُخْهُ وَكَبُّبْ لَحْمَهُ. فَفَعَلْتُ وَدَعَا بِخِوَانٍ فَوُضِعَ وَجَعَلْتُ أُكَبِّبُ اللَّحْمَ فَإِذَا اسْتَوَى مِنْهُ شَيْءٌ وَضَعْتُهُ بُيْنَ يَدَيْهِ فَأَكَلَهُ حَتَّى تَعَرَّقَتْ لَهُ لَحْمُ التَّيْسِ وَلَمْ يَبْقَ إِلا بَطْنُهُ وَعِظَامُهُ وَبَقِيَتْ بُضْعَةٌ عَلَى الْكَانُونِ فَقَالَ لِي: كُلْها فَأَكَلْتُهَا. وَجَاءَتْ جَارِيَةٌ بِقِدْرٍ فِيهَا دَجَاجَتَانِ وَفَرْخَانِ وَصَحْفَةٌ مُغَطَّاةٌ فَقَالَ: وَيْحَكَ مَا فِي بَطْنِي مَوْضِعٌ فَضَعِيهَا عَلَى رَأْسِي فَضَحِكْنَا، وَدَعَا بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ خَمْسَةَ أَقْدَاحٍ وَسَقَانِي قَدَحًا.

وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ النَّضْرِ قَالَ: قَتَلَ بِلالا دَهَاؤُهُ فَإِنَّهُ لَمَّا حُبِسَ قَالَ لِلسَّجَّانِ:

خُذْ مِنِّي مِائَةِ أَلْفٍ وَأَعْلِمْ يُوسُفَ بْنَ عُمَرَ أَنِّي قَدْ مُتُّ- وَكَانَ فِي حَبْسِهِ- فَقَالَ لَهُ السَّجَّانُ: فَكَيْفَ تَصْنَعُ إِذَا سِرْتَ إِلَى أَهْلِكَ؟ قَالَ: لا يَسْمَعُ لِي يُوسُفَ بِخَبْرٍ