للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَسَأَلْتُهُ عَنْ مُخْرَجِهِ، كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ قال: كان يخزن لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِ [١] ، وَيُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُنَفِّرُهُمْ، وَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ، وَيَحْذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِي عَنْ أَحَدٍ بِشْرَهُ وَلَا خُلُقَهُ، وَيَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ وَيُوَهِّيهِ [٢] ، مُعْتَدِلُ الْأَمْرِ غَيْرُ مُخْتَلِفٍ، لا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلُوا أَوْ يَمَلُّوا [٣] ، لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ، لَا يُقَصِّرُ عَنِ الْحَقِّ، وَلَا يُجَاوِزُهُ، الَّذِينَ [٤] يَلُونَهُ مِنَ النّاس خيارهم، وأفضلهم عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً، وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ [٥] أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً [٦] [٧] .

فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ؟ فَقَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقُومُ وَلَا يَجْلِسُ إِلَّا عَلَى ذِكْرٍ، وَلا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا [٨] ، وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي به المجلس ويأمر بذلك، يعطي كُلَّ جُلَسَائِهِ نَصِيبَهُ، وَلَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ لِحَاجَةٍ صَابَرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفَ، وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا، أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ، قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ، فَصَارَ لَهُمْ أَبًا، وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبْرٍ وَأَمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ، وَلَا تُؤَبَّنُ فِيهِ الْحُرَمُ، وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ،


[١] في طبقات ابن سعد «يعينهم» ، وفي المعرفة والتاريخ «بما يعينهم» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «يعنيهم» .
[٢] في طبقات ابن سعد، وتهذيب تاريخ دمشق «يوهنه» .
[٣] في المعرفة والتاريخ «يميلوا» .
[٤] في طبقات ابن سعد «لا يجوزه الدين» ، وفي تهذيب تاريخ دمشق «ولا يجاوز إلى غيره» .
[٥] في المراجع الأخرى «عنده منزلة» .
[٦] في حاشية الأصل «بلغت قراءة على مؤلّفه الحافظ أبي عبد الله الذهبي. كتبه ابن البعلي، وذلك في الخامس عشر» .
[٧] في المراجع زيادة «ومؤازرة» .
[٨] قال ابن الأثير في النهاية: «أي لا يتّخذ لنفسه مجلسا يعرف به» .