للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطّير، فإذا سكت تكلّموا، ولا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ الْحَدِيثَ، مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ، وَكَانَ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ، وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ فِي مَنْطِقِهِ ومسألته، حتى إن كان أصحابه ليستجلبونهم، وَيَقُولُ: «إِذَا رَأَيْتُمْ صَاحِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَارْقُدُوهُ» ، وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا عَنْ مُكَافِئٍ [١] ، وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ.

فَسَأَلْتُهُ: كَيْفَ كَانَ سُكُوتُهُ؟ قَالَ: عَلَى أَرْبَعٍ: عَلَى الْحِلْمِ، وَالْحَذَرِ، وَالتَّدَبُّرِ، وَالتَّفَكُّرِ، فَأَمَّا تَدَبُّرُهُ، فَفِي تَسْوِيَةِ النَّظَرِ وَالِاسْتِمَاعِ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيَفْنَى، وَجُمِعَ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ، فَكَانَ لَا يُغْضِبُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ. وجمع له الحذر في أربع: أخذه بِالْخَيْرِ [٢] لِيُقْتَدَى بِهِ، وَتَرْكِهِ الْقَبِيحَ لِيُنْتَهَى عَنْهُ، وَاجْتِهَادِهِ الرَّأْيَ فِيمَا يُصْلِحُ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامِ بِهِمْ، وَالْقِيَامِ فِيمَا جَمَعَ لَهُمْ أَمْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ بِطُولِهِ كُلِّهِ يَعْقُوبُ الْفَسَوِيُّ [٣] : ثنا أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ، وَسَعِيدُ بن حمّاد الأنصاريّ المصري قال: حَدَّثَنَا جُمَيْعُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِمَكَّةَ، عَنِ ابْنٍ لِأَبِي هَالَةَ، فَذَكَرَهُ.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي غَسَّانَ النَّهْدِيِّ:

قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الْهُدَى [٤] عِيسَى بْنِ يَحْيَى السَّبْتِيِّ، أَخْبَرَكُمْ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ يُوسُفَ الدِّمَشْقِيُّ، أنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْحَافِظُ، أنا أَبُو سَعْدٍ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْفَانِيذِيُّ، وَأَبُو مُسْلِمٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عمر السِّمَنَانيّ،


[١] قيل: مقتصد في ثنائه ومدحه، وقيل: إلّا من مسلم، وقيل إلّا من مكافئ على يد سبقت من النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَمَا فِي (عيون الأثر) . وفي (دلائل النّبوّة للبيهقي) : يريد أنّه كان إذا ابتدئ بمدح كره ذلك.
[٢] في حاشية الأصل (بالحسن. خ) يعني في نسخة.
[٣] المعرفة والتاريخ ٣/ ٢٨٤- ٢٨٧.
[٤] في نسخة دار الكتب (الهذيل) بدل (الهدى) وهو وهم.