للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَيْنَ يَدَيِ الْمَنْصُورِ، فَقَالَ: أَقِلْنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَقَالَكَ اللَّهُ. قَالَ: لا أَقَالَنِي اللَّهُ إِنْ أَقَلْتُكَ ثُمَّ سَجَنَهُ.

وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّ الْمَنْصُورَ أَقْبَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ: أَرَى ابْنَيْكَ قَدِ اسْتَوْحَشَا مِنِّي وَإِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَأْنَسَا بِي وَأَنْ يَأْتِيَانِي فَأُخْلِطُهُمَا بِنَفْسِي، فَقَالَ:

وَحَقِّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لِي بِهِمَا عِلْمٌ وَلا بِمَوْضِعِهِمَا وَلَقَدْ خَرَجَا عَنْ يَدِي.

فَبَقِيَ فِي سِجْنِ الْمَنْصُورِ ثَلاثَةَ أَعْوَامٍ.

وَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَإِبْرَاهِيمَ هَمَّا بِاغْتِيَالِ الْمَنْصُورِ بِمَكَّةَ وَوَاطَأَهُمَا قَائِدٌ كَبِيرٌ مِنْ قُوَّادِهِ فَنُمِيَ الْخَبَرُ إِلَى الْمَنْصُورِ، فَاحْتَرَزَ وَطَلَبَ الْقَائِدَ فَهَرَبَ، وَأَقْبَلَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ يُلِحُّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ حَتَّى أَعْيَاهُ وَجَعَلَ زِيَادُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُدَافِعُ عَنْ مُحَمَّدٍ، فَقَبَضَ الْمَنْصُورُ عَلَى زِيَادٍ وَاسْتَأْصَلَ أَمْوَالَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ وَأَمَرَهُ بِبَذْلِ الأَمْوَالِ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ وَأَخِيهِ، فَبَذَلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلا قَدِرَ عَلَيْهِمَا فَاتَّهَمَهُ الْمَنْصُورُ، فَعَزَلَهُ، وَوَلَّى رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الْمُرِّيَّ، فَدَعَا الْقَسْرِيَّ فَسَأَلَهُ عَنِ الأَمْوَالِ، فَقَالَ: هَذَا كَاتِبِي وَهُوَ أَعْلَمُ بِهَا فَقَالَ: أَسْأَلُكَ وَتُحِيلُنِي عَلَى كَاتِبِكَ! فَأَمَرَ بِهِ رِيَاحٌ فُوجِئَتْ عُنُقُهُ وَضُرِبَ أَسْوَاطًا ثُمَّ بُسِطَ الْعَذَابُ عَلَى كَاتِبِهِ وَعَلَى مَوْلاهُ فَأَسْرَفَ وَجَدَّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي شِعَبٍ مِنْ شِعَابِ رَضْوَى وَهُوَ جَبَلُ جُهَيْنَةَ مِنْ أَعْمَالِ يَنْبُعَ. قَالَ: فَاسْتَعْمَلَ عَلَى يَنْبُعَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ الْجُهَنِيَّ وَأَمَرَهُ بِتَطَلُّبِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ عَمْرٌو إِلَيْهِ لَيْلَةً بِالرِّجَالِ فَفَزِعَ مُحَمَّدٌ وَفَرَّ مِنْهُمْ، فَانْفَلَتَ، وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، وُلِدَ لَهُ هُنَاكَ مِنْ جَارِيَةٍ فَوَقَعَ الطِّفْلُ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ يَدِ أُمِّهِ فَتَقَطَّعَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:

مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ يَشْكُو الْوَجَى ... تَنْكُبُهُ أَطْرَافُ مَرْوٍ حِدَادْ

شَرَّدَهُ الْخَوْفُ وَأَزْرَى [١] بِهِ ... كَذَاكَ مَنْ يكره حرّ الجلاد


[١] في تاريخ الطبري ٧/ ٥٣٥ «فازرى» .