للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالَ: أحسنت يَا معن.

ولمعن أشعار جيدة فِي الشجاعة. وَفِي أواخر أيامه ولي إمرة سجستان ووفد عَلَيْهِ الشعراء فَلَمَّا كَانَ فِي سنة إحدى أو اثنتين وقيل فِي سنة ثمان وخمسين كَانَ فِي داره صُنّاع فاندسّ بينهم قوم من الخوارج فوثبوا عَلَيْهِ فقتلوه وهو يحتجم ثُمَّ تتبّعهم ابْن أَخِيهِ الأمير يزيد [١] بن مزيد فقتلهم. وورثته الشعراء، ولقد أبلغ وأبدع مروان بْن أَبِي حفصة فِي كلمته:

مضَى لسبيله مَعْنُ وأبقى ... مكارِمً [٢] لن تَبيدَ ولن تُنَالا

كأنَّ الشمسَ يومَ أُصِيبَ مَعْن ... من الإِظلامِ مُلْبِسَةٌ جَلالا

وعطّلت الثّغور لِفَقْد مَعْنٍ ... وقد يروى بها الأسل النُّهَالا [٣]

وأظْلَمَتِ العراقُ وأوْرَثَتْها ... مصيبَتُه المُجَلَّلَةُ اختِلالا [٤]

وظلَّ الشامُ يَرْجُفُ جانِبَاهُ ... لِرُكْنِ العزِّ حين وَهَى فمالا


[١] روي أن عمه معن بن زائدة كان يقدّمه على أولاده، فعاتبته امرأته في ذلك وقالت له: لم تقدّم يزيد ابن أخيك وتؤخر بنيك ولو قدمتهم لتقدموا ولو رفعتهم لارتفعوا، فقال لها إن يزيد قريب مني وله عليّ حق الولد إذ كنت عمه، وبعد فإن بنيّ ألوط بقلبي وأدنى من نفسي ولكني لا أجد عندهم من الغناء ما أجد عنده، ولو كان ما يطلع به يزيد في بعيد لصار قريبا أو عدو لصار حبيبا، وسأريك في هذه الليلة ما تستبينين به عذري. يا غلام اذهب فادع جساسا زائدة وعبد الله وفلانا وفلانا، حتى أتى على جميع أولاده، فلم يلبثوا أن جاءوا في الغلائل المطيّبة والنعال السنديّة، وذلك بعد هدأة من الليل، فسلّموا وجلسوا، ثم قال معن: يا غلام أدع يزيد، فلم يلبث أن دخل عجلا وعليه سلاحه، فوضع رمحه بباب المجلس ثم دخل، فقال معن له: ما هذه الهيئة يا أبا الزبير؟
فقال جاءني رسول الأمير فسبق وهمي إلى أنه يريدني لمهمّ فلبست سلاحي، وقلت إن كان الأمر كذلك مضيت ولم أعرّج، وإن كان غير ذلك فنزع هذه الآلة عني من أيسر شيء، فقال معن: انصرفوا في حفظ الله، فلما خرجوا قالت زوجته: قد تبيّن لي عذرك. (وفيات الأعيان ٥/ ٢٤٩) .
[٢] في تاريخ بغداد للخطيب (محامد) بدل (مكارم) .
[٣] كذلك في تاريخ بغداد ووفيات الأعيان ومرآة الجنان. وفي الأصل (الذبالا) .
[٤] هكذا عند ابن خلكان والخطيب واليافعي. وفي الأصل (اختبالا) .