للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالُوا: مَا تَخَلَّفَ أَحَدٌ إلَّا غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ سِنًّا.

قَالَ: فَلَا تَفْعَلُوا، ادْعُوهُ.

فَقَالَ رَجُلٌ: وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِنَّ هَذَا لَلُؤْمٌ بِنَا، يَتَخَلَّفُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الطَّعَامِ مِنْ بَيْنِنَا، ثُمَّ قَامَ وَاحْتَضَنَهُ، وَأَقْبَلَ بِهِ [١] فَلَمَّا رَآهُ بَحِيرَا جَعَلَ يَلْحَظُهُ لَحْظًا شَدِيدًا، وَيَنْظُرُ إِلَى أَشْيَاءَ مِنْ جَسَدِهِ، قَدْ كَانَ يَجِدُهَا عِنْدَهُ مِنْ صِفَتِهِ، حَتَّى إِذَا شَبِعُوا وَتَفَرَّقُوا قَامَ بَحِيرَا فَقَالَ:

يَا غُلَامُ أَسْأَلُكَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى إِلَّا أَخْبَرْتَنيِ عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ [٢] ، فَزَعَمُوا أَنَّهُ قَالَ: لَا تسألني باللّات والعزّى [٣] ، فو الله مَا أَبْغَضْتُ بُغْضَهُمَا شَيْئًا قَطُّ.

فَقَالَ لَهُ: فباللَّه إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَمَّا أَسْأَلُكَ عَنْهُ [٤] ، فَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ حَالِهِ [٥] ، فَتَوَافَقَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الصِّفَةِ.

ثُمَّ نَظَرَ فِيهِ أثر خاتم النّبوّة [٦] ، فأقبل على أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ: مَا هُوَ مِنْكَ؟ قَالَ: ابْنِي.

قَالَ: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَبُوهُ حَيًّا.

قَالَ: فَإِنَّهُ ابْنُ أَخِي [٧] .

قَالَ: ارْجِعْ به واحذر عليه اليهود، فو الله لَئِنْ رَأَوْهُ وَعَرَفُوا مِنْهُ مَا عَرَفْتُهُ لَيَبْغُنَّهُ شَرًّا، فَإِنَّهُ كَائِنٌ لِابْنِ أَخِيكَ شَأْنٌ، فَخَرَجَ به أبو طالب سريعا حتى


[١] في السير والمغازي ٧٥ «ثم أقبل به حتى أجلسه مع القوم»
[٢] قال ابن إسحاق في السير والمغازي ٧٥ «وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما» .
[٣] في السير زيادة «شيئا» .
[٤] في السير: «قال سلني عمّا بدا لك» .
[٥] في السير زيادة «من نومه، وهيئته، وأموره، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته» .
[٦] في السير ٧٥ «ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده» .
[٧] قال ابن إسحاق في السير: «قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمّه حبلى به، قال: صدقت» .