للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ [١] : هَاجَتِ الْعَصَبِيَّةُ بِالشَّامِ وَتَفَاقَمَ الأَمْرُ. وَاغْتَمَّ الرَّشِيدُ، فَعَقَدَ وَقَالَ: إِمَّا أَنْ تَخْرُجَ أَنْتَ أَوْ أَخْرُجَ أَنَا. فَسَارَ إِلَيْهِمْ جَعْفَرٌ، فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ، وَقَتَلَ فِيهِمْ، وَلَمْ يَدَعْ لَهُمْ رُمْحًا وَلا قَوْسًا، فَهَمَدَ الأَمْرُ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ عِيسَى بْنَ الْعَكِّيِّ، وَانْصَرَفَ.

قَالَ الْخَطِيبُ [٢] : كَانَ جَعْفَرٌ عِنْدَ الرَّشِيدِ بِحَالَةٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ.

وَجُودُهُ وَسَخَاؤُهُ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرَ، وَكَانَ مِنْ ذَوِي اللِّسَانِ وَالْبَلاغَةِ.

يُقَالُ: إِنَّهُ وَقَّعَ بِحَضْرَةِ الرَّشِيدِ زِيَادَةً عَلَى أَلْفِ تَوْقِيعٍ، وَنَظَرَ فِي جَمِيعِهَا، فَلَمْ يخرج شيئا منها عَنْ مُوجِبِ الْفِقْهِ [٣] .

وَكَانَ أَبُوهُ يَحْيَى قَدْ ضَمَّهُ إِلَى أَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي حَتَّى عَلَّمَهُ وَفَقَّهَهُ [٤] .

وَعَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَشْرَسَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَبْلَغَ مِنْ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، وَالْمَأْمُونِ [٥] .

قِيلَ: اعْتَذَرَ رَجُلٌ إِلَى جَعْفَرٍ فَقَالَ: قَدْ أَغْنَاكَ اللَّهُ بِالْعُذْرِ مِنَّا عَنِ الاعْتِذَارِ إِلَيْنَا، وَأَغْنَانَا بِالْمَوَدَّةِ لَكَ عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِكَ [٦] .

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَهْمَانَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كَانَ أَبُو عَلْقَمَةَ [٧] الثَّقَفِيُّ صاحب «الْغَرِيبِ» عِنْدَ جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى، فَقَالَ، وقد أقبلت


[١] في تاريخه ٨/ ٢٦٢ (حوادث ١٨٠ هـ.) .
[٢] في تاريخ بغداد ٧/ ١٥٢، وعنه ابن خلكان في وفيات الأعيان ١/ ٣٢٨، والوافي بالوفيات ١١/ ١٥٦.
[٣] تاريخ بغداد ٧/ ١٥٢، وفيات الأعيان ١/ ٣٢٨، ٣٢٩، الوافي بالوفيات ١١/ ١٥٦.
[٤] تاريخ بغداد ٧/ ١٥٢، وفيات الأعيان ١/ ٣٢٩، الوافي بالوفيات ١١/ ١٥٦.
[٥] قال ثمامة بن أشرس: كان جعفر بن يحيى أنطق الناس، قد جمع الهدوء والتمهّل، والجزالة والحلاوة، وإفهاما يغنيه عن الإعادة، ولو كان في الأرض ناطق يستغني بمنطقه عن الإعادة.
وقال مرة: ما رأيت أحدا كان لا يتحبّس ولا يتوقف، ولا يتلجلج ولا يتنحنح، ولا يرتقب لفظا قد استدعاه من بعد، ولا يلتمس التخلّص إلى معنى قد تعصّى عليه طلبه، أشدّ اقتدارا، ولا أقلّ تكلّفا، من جعفر بن يحيى. (البيان والتبيين ١/ ٧٥، ٧٦) .
والخبر المذكور في المتن أورده الخطيب في تاريخ بغداد ٧/ ١٥٢.
[٦] عيون الأخبار ٣/ ١٠٤، وتاريخ بغداد ٧/ ١٥٣، الوافي بالوفيات ١١/ ١٥٦.
[٧] هكذا في الأصل، وتاريخ بغداد، وفي وفيات الأعيان «أبو عبيد» .