للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ خُنْفِسَاءُ: أَلَيْسَ يُقَالُ إِنَّ الْخُنْفِسَاءَ إِذَا أَقْبَلَتْ إِلَى رَجُلٍ أَصَابَ خَيْرًا؟

قَالُوا: بَلَى. فَقَالَ: يَا غُلامُ أَعْطِهِ أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَعْطَاهُ وَنَحَّوْهَا عَنْهُ.

قَالَ: فَعَادَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا غُلامُ أَعْطِهِ أَلْفًا أُخْرَى [١] .

قَالَ جَحْظَةُ: حَدَّثَنِي الرَّشِيدِيُّ: حَدَّثَنِي مُهَذَّبٌ حَاجِبُ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ الْعَبَّاسَ نَالَتْهُ إِضَاقَةٌ، وَكَثُرَ الْغُرَمَاءُ، فَأَخْرَجَ سفطا فيه جوهر شراه ألف أَلْفِ دِرْهَمٍ، فَحَمَلَهُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى. والتقاه جعفر فقال: أريد على هذا خَمْسَمِائَةِ أَلْفٍ حَتَّى تَأْتِيَ الْغَلَّةُ. فَقَالَ: أَفْعَلُ، وَرَفَعَ السِّفْطَ.

فَلَمَّا رَجَعَ الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَجَدَ السِّفْطَ قَدْ سَبَقَهُ، وَمَعَهُ أَلْفُ أَلْفِ دِرْهَمٍ. ثُمَّ مِنَ الْغَدِ دَخَلَ جَعْفَرٌ إِلَى الرَّشِيدِ فَكَلَّمَهُ فِيهِ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلاثِمِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ.

قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ: نا أَبُو يَعْقُوبَ النَّخَعِيُّ، نا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ كَاتِبُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْمَأْمُونِ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ الْمَوْصِلِيُّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَجَّ الرَّشِيدُ وَمَعَهُ جَعْفَرٌ، وَأَنَا مَعَهُمْ. فَلَمَّا حَضَرْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ لِي جَعْفَرٌ: أُحِبّ أَنْ تَنْظُرَ لِي جَارِيَةً لا يَكُونُ مِثْلُهَا فِي الْغِنَاءِ وَالظُّرْفِ. فَأُرْشِدْتُ إِلَى جَارِيَةٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا، وَغَنَّتْ فَأَجَادَتْ. وَقَالَ لِي صَاحِبُهَا: لا أَبِيعُهَا بِأَقَلِّ مِنْ أربعين ألف دينار. قلت: قَدْ أَخَذْتُهَا، وَأَشْتَرِطُ عَلَيْكَ نَظْرَةً. قَالَ: لَكَ ذَلِكَ.

فَأَتَيْتُ جَعْفَرًا وَقُلْتُ: أَصَبْتُ صَاحِبَتَكَ عَلَى غَايَةِ الْكَمَالِ، فَاحْمِلِ الْمَالَ. فَحَمَلْنَا الْمَالَ عَلَى حَمَّالِينَ، وَجَاءَ جَعْفَرٌ مُسْتَخْفِيًا، فَدَخَلْنَا عَلَى الرَّجُلِ وَأَخْرَجَهَا، فَلَمَّا رَآهَا جَعْفَرٌ أُعْجِبَ بِهَا، فَغَنَّتْ، فَازْدَادَ بِهَا عَجَبًا وَقَالَ:

افْصِلْ فِي أَمْرِهَا. فَقُلْتُ لِمَوْلاهَا: خُذِ الْمَالَ. فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: يَا مَوْلايَ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ عَرَفْتِ مَا كُنَّا فِيهِ مِنَ النِّعْمَةِ، وَقَدْ نَقَصْتِ عَنْ ذَلِكَ، فَقَدَّرْتُ أَنْ تَصِيرِي إِلَى هَذَا الْمُلْكِ، فَتَنْبَسِطِي فِي شَهَوَاتِكِ. فَقَالَتْ: لَوْ مَلَكْتُ مِنْكَ مَا مَلَكْتَ مِنِّي مَا بِعْتُكَ بِالدُّنْيَا، فَاذْكُرِ الْعَهْدَ. وَقَدْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لا يَأْكُلَ لَهَا ثَمَنًا. فَتَغَرْغَرَتْ عَيْنُ الرَّجُلِ بالدموع وقال: اشهدوا أنّها حرّة لوجه


[١] تاريخ بغداد ٧/ ١٥٣، وفيات الأعيان ١/ ٣٣١، ٣٣٢.