للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: إنّ الرشيد لمّا سَمِعَ وعظه قَالَ: مِن أَيْنَ تعلّمت هذا؟

قَالَ: تَفَلَ في في النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ وقال: «يا منصور قُلْ» [١] .

السَّرَّاج: نا أحمد بن موسى الأنصاريّ قَالَ: قَالَ منصور بْن عمّار:

حججتُ فَبِتّ بالكوفة، فخرجت في الظَّلْماء فإذا بصارخٍ يَقُولُ: إلهي وعزّتك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتك، ولقد عصيتك وما أَنَا بنَكالِك جاهل، ولكنْ خطيئة عرضت أعانني عليها شقائي، وغرّني سَتْرُك، والآن مِن ينقذني؟

فتلوت هذه الآية قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ٦٦: ٦ [٢] فسمعت دكدكةً، فلمّا كَانَ مِن الغد مررتُ هناك، فإذا بجنازةٍ، وإذا عجوز تَقُولُ: مرّ البارحة رجلٌ فَتَلا آية، فتفطّرت مرارته، فوقع مَيْتًا [٣] .

قَالَ أبو بَكْر، وعثمان ابنا أبي شيبة: كنّا عند ابن عُيَيْنَة فجاء منصور بْن عمار فسأله عَنِ القرآن، فزبره وأشار بالعكّاز إليه. وانتهره. فقيل: يا أبا محمد إنّه عابد.

قَالَ: ما أرى إلا شيطانًا.

قَالَ منصور: دخلت عَلَى سُفْيان بْن عُيَيْنَة، فحدَّثني ووعظته، فلمّا أثارت الأحزان دموعه رفع رأسه وردّها في عينيه، فقلت: هلا أسبلتها إسبالا، وتركتها تجري سجالا.

قَالَ: إنّ الدمعة إذا بقيت كَانَ أبقى للحزن في الجوف [٤] .

قَالَ سُلَيْم بْن منصور: كتب بِشْر المريْسي إلى أَبِي: أخبرني عَنِ القرآن. فكتب إليه: عافانا الله وإيّاك، وجعلنا مِن أهل السُّنَّةِ، فإن يفعل فأعظم بها منّه، وإلا فهي الهلكة. نَحْنُ نرى أنّ الكلام في القرآن بدعة تشارك فيها السّائل والمجيب. تعاطى السائل ما ليس له، وتكلف المجيب


[١] تاريخ بغداد ١٣/ ٧٤ وزاد: «فأنطقت بإذن الله»
[٢] سورة التحريم، الآية ٦.
[٣] الخبر مطوّل في الحلية ١/ ٣٢٨، ٣٢٩، والتذكرة الحمدونية ١/ ١٩١ رقم ٤٤٥.
[٤] حلية الأولياء ٩/ ٣٢٧.