للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شعره على عينيه، فسلَّم، فقال المأمون: لا سلَّم الله عليك، أكُفْرًا يا إبراهيم بالنّعمة وخروج على أمير المؤمنين!؟

فقال: يا أمير المؤمنين، إنّ القُدرة تُذْهِب الحفيظة [١] . ومَن مُدَّ له في الاغترار هجمت به الأناة على التَّلف. وقد رفعك الله فوق كلّ ذي ذنب، كما وضع كلّ ذي ذنب دونك، فإن تُعاقِبْ فبحقّك، وإنْ تعفُ فبفضلك [٢] .

فقال: إنّ هذين قد أشارا عليّ بقتلك، وأومأ إلى المعتصم أخيه، وإلى العبّاس ابنه.

فقال: أشارا عليك بما يُشار به على مثلك، وفي مثلي من حُسْن السياسة.

وإنّ المُلْك عقيم. ولكنّك تأبى أنْ تستجلب نصرًا إلّا من حيث عوَّدك الله [٣] .

وأنا عمُّك، والعمُّ صِنْو الأب. وبكى، فتغرغرت عينا المأمون.

ثمّ قال: يا ثُمامة، إنّ الكلام كلامٌ كالدُّرّ، يا غلْمان حلّوا عن عمّي، وغيّروا من حالته في أسرع وقت، وجيئوني به [٤] .

ففعلوا ذلك، فأحضره مجلسه، ونادمه، وسأله أن يُغنّي، فأبى وقال:

نذرتُ للَّه عند خلاصي تَرْكَه، فعزم عليه، وأمر أن يوضع العود في حُجْره، فغنّى [٥] .

وعن منصور بن المهديّ قال: كان أخي إبراهيم إذا تنحنح طرِبَ من يسمعه، فإذا غنّى أصْغَتِ الوحوش ومدّت أعناقها إليها حتّى تضع رءوسها في حجْره. فإذا سكت نَفَرَت وهربت. وكان إذا غنى لم يبقَ أحدٌ إلّا ذُهِلَ، ويترك ما


[١] في (خاصّ الخاص للثعالبي ٨٨) : «القدرة تذهب الحفيظة، والندم توبة، وبينهما عفو الله» .
والقول في: تاريخ الطبري ٨/ ٦٠٤.
[٢] انظر هذا القول في: الفرج بعد الشدّة ٤/ ٣٣٥.
[٣] في (الفرج بعد الشدّة ٤/ ٣٣٣) : «يا أمير المؤمنين أبيت أن تأخذ بحقّك إلّا من حيث عوّدك الله تعالى، وهو العفو عند قدرة» .
[٤] انظر الخبر أيضا في: الفرج بعد الشدّة ٤/ ٣٤٢، ٣٤٣.
[٥] تهذيب تاريخ دمشق ٢/ ٢٧٦، وانظر جزءا من الخبر في (عيون الأخبار ١/ ١٠٠) و (تاريخ الطبري ٨/ ٢٠٤) .