للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَاعْتَرَضَهُ صَفْوَانُ لَيْلَةً وَهُوَ آتٍ مِنْ عِنْدِ أَخْوَالِهِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى رَأْسِهِ، فيغدو عَلَيْهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ فَجَمَعَ يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ وَقَادَهُ إِلَى دَارِ بَنِي حَارِثَةَ [١] ، فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ: مَا هَذَا:؟

فَقَالَ: مَا أَعْجَبَكَ! عَدَا عَلَى حسّان بالسّيف، فو الله مَا أَرَاهُ إِلا قَدْ قَتَلَهُ.

فَقَالَ: هَلْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا صَنَعْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: لا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدِ اجْتَرَأْتَ، خَلِّ سَبِيلَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ الْمُعَطَّلِ؟ فَقَامَ إليه، فقال: ها أنا ذا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: مَا دَعَاكَ إِلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: آذَانِي وَكَثَّرَ عَلَيَّ وَلَمْ يَرْضَ حَتَّى عَرَّضَ بِي فِي الْهِجَاءِ، فَاحْتَمَلَنِي الغضب، وها أنا ذا، فَمَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ فَخُذْنِي بِهِ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادعوا لي حسّان، فَأَتَى بِهِ، فَقَالَ: يَا حَسَّانُ:

أَتَشَوَّهْتَ [٢] عَلَى قَوْمِي أَنْ هَدَاهُمُ اللَّهُ لِلإِسْلامِ، يَقُولُ: تَنَفَّسْتَ عَلَيْهِمْ يَا حَسَّانُ، أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَكَ. فَقَالَ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِيرِينَ الْقِبْطِيَّةَ. فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَأَعْطَاهُ أَرْضًا كَانَتْ لأَبِي طَلْحَةَ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [٣] . وَحَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عتبة، أنّ صفوان قال حين ضربه:

[٤٨ أ] تَلَقَّ ذُبَابُ السَّيْفِ عَنِّي [٤] فَإِنَّنِي ... غُلامٌ إِذَا هوجيت لست بشاعر


[ () ] يتكلم بها في المدح تارة وفي معنى القلّ أخرى، يقال: فلان بيضة البلد أي أنه واحد في قومه، عظيم فيهم، وفلان بيضة البلد، يريد: أنه ذليل ليس معه أحد» (٤/ ٢١) .
[١] في الأصل: بني جارية، والتصحيح من ع وهم بنو الحارث بن الخزرج. كما جاء في ابن هشام ٤/ ١٣.
[٢] أتشوّهت على قومي: أي أقبحت ذلك من فعلهم حين سمّيتهم الجلابيب من أجل هجرتهم إلى الله ورسوله.
[٣] سيرة ابن هشام ٤/ ١٣، ١٤ تاريخ الطبري ٢/ ٦١٨، ٦١٩.
[٤] في الأصل، «عنك» والمثبت عن هامش الأصل، وتاريخ الطبري ٢/ ٦١٨ وفي سيرة ابن هشام ٤/ ١٣ «تلقى» وفي طبعة شعيرة ٢٤٧ «لا تلقّ» .