للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ بكى فبكى الواثق وبكينا. ثُمَّ سأله الواثق أن يجعله فِي حِلّ، وأمر لَهُ بصلة فقال: لا حاجة لي بِها.

قَالَ المهتدي باللَّه: فرجعت عَنْ هذه المقالة، وأظنّ أنّ الواثق رجعَ عنها من يومئذ [١] .

وقال إِبْرَاهِيم نِفْطَوَيْه: حدَّثَنِي حامد بْن العبّاس، عَنْ رَجُل، عَنِ المهتدي باللَّه، أنّ الواثق مات وقد تاب عَنِ القول بِخلْق القرآن [٢] .

وكان الواثق وافر الأدب. بَلَغَنَا أنّ جارية غنته بشعر العَرْجيّ:

أَظَلُومُ إنّ مُصَابَكُم رجُلًا ... ردَّ السّلامَ تَحيَّةً ظُلْمُ

فَمِن الحاضرين من صَوَّب نصْبَ رجُلًا، ومنهم من قَالَ: صوابها: رجلٌ.

فقالت: هكذا لقَّنني المازنيّ.

وطلب المازنيّ، فلمّا مثُل بين يدي الواثق، قَالَ: مِمّن الرجل؟

قَالَ: من بني مازن.

قَالَ: أي الموازن، أمازن تميم، أم مازن قيس، أم مازن ربيعة؟

قلتُ: مازن ربيعة.

فكلّمني حينئذ بلغة قومي فقال: با اسبُك. لأنّهم يقلبون الميم باء والباء ميم فكرهتُ أن أواجهه بِمَكرٍ، فقلتُ: بَكْر يا أمير المؤمنين.

ففطِنَ لَها وأعجبته. فقال: ما تقول في هذا البيت.

قلت: الوجه النّصب، لأن مُصَابكم مَصْدَر، بِمعنى أصابتكم. فأخذ البريديّ يعارضني، قلتُ: هُوَ بِمنزلة إنّ ضَرْبَك زيدًا ظُلْمٌ. فالرجل مفعول «مُصَابكم» ، والدليل عَلَيْهِ أن الكلام مُعلق، إلى أن تَقُولُ «ظُلْمٌ» فيتمّ. فأُعْجِبَ الواثق، وأعطاني ألف دينار [٣] .

قَالَ ابن أَبِي الدُّنْيَا: كَانَ الواثق أبيض، تعلوهُ صُفْرة، حسنَ اللحية، فِي عينيه نُكْتة.

وقال زُرقان بْن أَبِي دُؤاد: لَمَّا احتضر الواثق جعل يردّد هذين البيتين:


[١] سير أعلام النبلاء ١٠/ ٣٠٩، ٣١٠.
[٢] تاريخ بغداد ١٤/ ١٨.
[٣] نزهة الألبّاء ١٢٢- ١٢٤.