للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الموتُ فِيهِ جميعُ الخلْقِ مُشْتَركٌ ... لا سُوقَةٌ منهم يبقى ولا ملكُ

ما ضَرَّ أهلَ عليلٍ [١] فِي تَنَافُرهم [٢] ... وليس يُغْنِي عَنِ الأملاك ما مَلَكوا

ثُمَّ أمر بالبُسُط فطُويت، وألصق خدّه بالأرض، وجعل يَقُولُ: يا من لا يزول ملكه، ارحم من قد زال ملكه [٣] .

روى أَحْمَد بْن محمد الواثقي أمير البصرة، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كنتُ أحد من مرّض الواثق فِي عِلته، إذ لحقته غشيةٌ، فما شككنا أَنَّهُ مات. فقال بعضنا لبعض تقدموا. فما جَسَر أحدٌ، فتقدَّمت أَنَا، فلمّا صرتُ عِنْدَ رأسه، وأردتُ أن أضعَ يدي عَلَى أنفه، لِحقَتْه إفَاقَةٌ، ففتح عينيه، فكدتُ أموتُ فزِعًا، من أن يراني قد مشيت إلى غير رُتْبتي، فرجعتُ إلى خَلْف، فتعلقت قبيعة سيفي بالعتبة، فعثرت على سيفي فاندقّ، وكان أن يدخل فِي لحمي. فسلمتُ وخرجتُ، فاستدعيت سيفًا، وجئتُ فوقفتُ ساعة، فتلف الواثق تَلَفًا لم يُشك فِيهِ. فشددت لحيته وغمَّضْتُه وسجَّيْتُه، وجاء الفراشون، فأخذوا ما تحته يردوه إلى الخزائن، لأنه مثبت عليهم، وتُرِكَ وحده فِي البيت. فقال لي أَحْمَد بْن أَبِي دُؤاد القاضي: إنّا نريد أن نتشاغل بعقد البيعة، وأحب أن تحفظه إلى أن يُدْفن، فأنتَ من أخصّهم بِهِ فِي حياته.

فرددت باب المجلس، وجلستُ عِنْدَ الباب، فحَسَسْتُ بعد ساعة بحركة فِي البيت أفزعتني، فدخلت، فإذا بِجرذون قد جاء فاستل عينه فأكلها، فقلت:

لا إله إلا اللَّه، هذه العين التي فتحها من ساعة، فاندقّ سيفي هيبة لَهَا [٤] .

قَالَ: وجاءوا فغسلوه، وأخبرت ابن أَبِي دُؤاد الخبر.

قَالَ: والجرذون دابَة أكبر من اليربوع [٥] .

كانت خلافة الواثق خمس سنين ونصف. ومات بسُرَّ منْ رَأَى، يوم الأربعاء، لست بقين من ذي الحجة، من سنة اثنتين وثلاثين، وبُويع بعده المتوكّل.


[١] في تاريخ بغداد، وسير أعلام النبلاء «قليل» .
[٢] في سير أعلام النبلاء: «تفرّقهم» . (١٠/ ٣١٣) .
[٣] تاريخ بغداد ١٤/ ١٩.
[٤] تاريخ بغداد ١٤/ ٩، ٢٠، الكامل في التاريخ ٧/ ٣٠.
[٥] تاريخ بغداد ١٤/ ٢٠.