للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فو الله إني لأرى وجوهًا وأرى أَوْباشا [١] من النّاس خلقا أن يفرّوا وَيَدعوك.

فقال لَهُ أَبُو بَكْر رَضِيَ الله عَنْهُ: أَمْصَصْ بَظْرَ الّلات [٢] . أنحن نفرّ عَنْهُ ونَدَعُهُ؟ قَالَ: من ذا؟ قَالَ أَبُو بَكْر. قَالَ: والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي لم أَجْزِك بِهَا لأجَبْتُك. قَالَ: وجعل يكلّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كلّما كلّمه أخذ بلحيته، والمُغيرة بْن شُعبة قائمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ السيف وعليه المغفر، فكلّما أهوى عُرْوة إلى لحية النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ضرب يده بنَعْل السّيف وقال: أخِّرْ يدك. فرفع رأسه فقال: من هذا؟ قَالُوا: المغيره بْن شُعبة. فقال: أي غدر، أوَ لست أسعى فِي غدرتك؟ قَالَ: وكان المغيرة صحب قومًا فِي الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم، ثُمَّ جاء فَأَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أمّا الإِسلام فأقْبَل، وأما المال فلستُ منه فِي شيء [٣] . ثُمَّ إنّ عُرْوة جعل يَرْمُق صحابة النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلّم، فو الله ما تَنَخَّم رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُخامةً إلّا وقعت فِي كفّ رجلٍ منهم يدلك بِهَا وجهه وجلده، وإذا أمرهم بأمر ابتدروه، وإذا توضأ ثاروا يقتتلون عَلَى وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحِدُّون [٤] إِلَيْهِ النَّظَرَ تعظيمًا لَهُ. فرجع عُرْوة إلى أصحابه فقال: أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، وَفَدتُ عَلَى قَيْصر وكِسْرى والنَّجاشيّ، والله إنْ رَأَيْت ملكًا قطّ يعظّمه أصحابُه ما يعظّم أصحابُ محمدٍ محمدًا [٥] . والله إنْ تنخّم نُخامةً إلّا وقعت فِي كفّ رجلٍ منهم فدلك بِهَا وجهه وجلده. وإذا أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضّأ كادوا يقتتلون على


[١] الأوباش: الاخلاط والسّفلة. ومثلها الأوشاب والأشواب، وهما نصّ البخاري ٣/ ١٧٩.
[٢] جاء في شرح نهاية الأرب ١٧/ ٢٢٤ (٥) أقام أبو بكر رضي الله عنه معبود عروة، وهو صنمه اللات مقام أمه لأن عادة العرب الشتم بلفظ الأم، فأبدله الصدّيق باللات، فنزّله منزلة امرأة تحقيرا لمعبوده.
[٣] انظر سيرة ابن هشام ٤/ ٢٦، ٢٧، والبداية والنهاية ٤/ ١٦٦، ١٦٧.
[٤] يحدّون: يحدّقون.
[٥] انظر سيرة ابن هشام ٤/ ٢٧، ونهاية الأرب ١٧/ ٢٢٥، ٢٢٦.