للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وضوئه، وإذا تكلّم خفضوا أصواتهم عنده، ولا يحدُّون إِلَيْهِ النّظر تعظيمًا له، وإنّه قد عرض عليكم خطّة رُشدٍ فاقبلوها [١] . فقال رَجُل من بني كِنانة:

دعوني آتِه. فقالوا: ائتِه. فلمّا أشرف عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا فلان وهو من قومٍ يعظِّمون البُدْن [٢] ، فابعثوها لَهُ. فبُعِثَت لَهُ. واستقبله القوم يلبُّون. فلما رَأَى ذَلِكَ قَالَ: سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يُصَدُّوا عَنِ البيت [٣] ، فلما رجع إلى أصحابه قَالَ: رَأَيْت البُدْنَ قد قُلِّدت وأشْعِرَت، فما أرى أن يُصَدُّوا عَنِ البيت. فقام رَجُل منهم يقال لَهُ مِكْرَز بْن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: ائته. فلما أشرف عليهم قَالَ النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسلم الله [٤٩ أ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هذا مِكْرَز وهو رجلٌ فاجر. فجعل يكلّم النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فبينا هُوَ يكلّمه إذ جاء سُهَيْل بْن عَمْرو. قَالَ مَعمَر: وَأَخْبَرَنِي أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا جَاءَ سُهَيْلٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَهُلَ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ [٤] . قَالَ الزُّهري فِي حديثه: فجاء سُهَيْلُ بْن عَمْرو فقال: هات اكتب بيننا وبينك كتابًا. فدعا الكاتبَ فَقَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أكتُبْ بسم الله الرَّحْمَن الرحيم» . فقال سهيل: أمّا الرحمن فو الله ما أدرى ما هُوَ، ولكن اكتب [باسمك اللَّهمّ] [٥] كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلّا بسم الله الرَّحْمَن الرحيم. فقال النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اكتب باسمك الّلهمّ» ثُمَّ قَالَ:

«هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ محمدٌ رَسُول اللَّهِ» . فقال سُهَيْل: والله لو كنّا نعلم أنّك رَسُول اللَّهِ ما صدَدْناك عَنِ البيت ولا قاتَلْناك، ولكنْ أكتب محمد بن


[١] انظر نهاية الأرب ١٧/ ٢٢٦.
[٢] البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة، وهي بالإبل أشبه.
[٣] حتى هنا انظر تاريخ الطبري ٢/ ٦٢٦، ٦٢٧.
[٤] تاريخ الطبري ٢/ ٦٢٩.
[٥] الإضافة من البداية والنهاية ٤/ ١٦٨ وسيرة ابن هشام ٤/ ٢٨.