للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكَانَ خبيث الاعتقاد، مضطّرب العقل، يقال إنّه أراد أن يدّعي الإلهيّة، وشَرَع في ذَلِكَ، فكلّمه أعيان دولته وخوَّفوه بخروج النّاس كلّهم عَليْهِ، فانتهى [١] .

واتّفق إنّه خرج ليلة في شوّال سنة إحدى عشرة مِن القصر إلى ظاهر القاهرة، فطاف ليلته كلَّها. ثمّ أصبح فتوجَّه إلى شرقيّ حُلْوان ومعه رِكابيّان، فردّ أحدهما مَعَ تسعةٍ مِن العرب السّويديّين، ثمّ أمر الآخر بالانصراف، فذكر هذا الرّكابيّ أنّه فارقه عند قبر القُضَاعيّ والقَصَبَة، فكان آخر العهد بِهِ [٢] .

وخرج النّاس عَلَى رَسْمهم يلتمسون رجوعَه، ومعهم دوابّ الموكب والجنائب، ففعلوا ذَلِكَ جمعةً. ثمّ خرج في ثاني يوم مِن ذي القعدة مظفّر صاحب المظلّة، ونسيم، وابن نشتكين، وطائفة، فبلغوا دير القُصَيْر، ثمّ إنهم أمعنوا في الدّخول في الجبل، فبينا هُمْ كذلك إذْ أبصروا حمارَه الأشهب المدعو بالقمر، وقد ضُربت يداه فأثَّر فيهما الضَّرْبُ، وعليه سَرْجه ولجامه. فتبعوا أثَر الحمار، فإذا أثر راجلٍ خلفه وراجل قدّامه. فلم يزالوا يقصُّون الأثر حتّى انتهوا إلى البركة الّتي في شرق حُلْوان، فنزل رجلٌ إليها، فوجد فيها ثيابه وهي سبْع جِباب، فوُجدت مزرَّدة لم تُحَلّ أزرارها، وفيها آثار السّكاكين، فلم يشكّوا في


[١] انظر: تاريخ الأنطاكي ٣٣٥، ٣٣٦، وعيون الأخبار وفنون الآثار (السبع السادس) ٢٩٢.
[٢] وجاء في (تاريخ الأنطاكي ٣٦٠) : «وكان يعدل أيضا إلى ديارات جدّدها اليعاقبة في ناحية القرافة، وإذا أراد الدخول إلى الجبل والطلوع إلى دير القصير أو غيره من الديارات تتأخّر الركابية عنه في الموضع المعروف بالقرافة وإلى الساقية، ويمضي وحده. وفي بعض الأيام جرى في ذلك على سالف عادته وتبعه صبيّ ركابيّ كان اصطنعه، يعرف بالقرافيّ، وأبعدا جميعا في الجبل، فلقيه (سبع) (!) نفر من البادية والتمسوا منه صلة بجفاء في القول وغلظ في اللفظ، وفرية وشتيمة، فقال لهم: ما معي في هذا الموضع ما أدفعه لكم، لكنني أنفذكم إلى متولّي بيت المال العميد المحسن ابن بدواس ليدفع إليكم خمسة آلاف درهم. فقالوا: ما نمضي إليه لأنه لا يدفع لنا شيئا، وتردّد الخطاب بينهم وبينه، فالتمسوا منه أن ينفذ معهم القرافيّ الركابيّ لينجز لهم المطلق، وسار مع القرافيّ أربعة نفر منهم، وتخلّف الثلاثة الباقون في الطريق، وقبض أولئك الأربعة الجملة التي رسم دفعها لهم، وعاد القرافيّ يلتمس الحاكم، فأبطأ عليه عودته، فلما طال انتظاره له في الموضع الّذي جرت عادته بموافاته إليه ساء ظنّه، ودار الجبل يطلبه، فألقى (!) سائحا وسأله عنه، وذكر له صفته وصفة الحمار الّذي هو راكبه، فأعلمه أنه شاهد في طريقه حمارا معرقبا، وساقه إلى الموضع حتى شاهد الحمار الّذي كان معرقبا كما ذكر له» .