للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الشّيخ عزّ الدّين بن عبد السَّلام: ما رأيتُ في كُتُب الْإِسلام في العِلم مثل «المجلّى» [١] لابن حزم، و «المغني» للشّيخ الموفَّق [٢] .

قلت: وقد امتُحِن ابن حزم وشرّد عن وطنه، وجرت له أمور، وتعصَّب عليه المالكيَّة لطول لسانه ووقوعه في الفقهاء الكبار، وجرى بينه وبين أبي الوليد الباجيّ مُنَاظرات يطول شَرْحها. ونفرت عنهُ قلوب كثير من النَّاس لحطِّه على أئِمَّتِهم وتخطئته لهم بأفجّ عبارة، وأقطّ محاورة. وعملوا عليه عند ملوك الأندلُس وحذروهم منه ومن غائلته، فأقصتهُ الدّولة وشرّدتهُ عن بلاده، حتى انتهى إلى بادية لَبلة [٣] ، فتُوُفّي بها في شعبان ليومين بقيا منه [٤] .

وقيل: تُوُفّي في قَرْيةٍ لَه [٥] .

قال أبو العبَّاس بن العَرِيف [٦] : كان يُقال: لِسَان ابن حَزْم وسَيْفُ الحَجَّاج شقيقان [٧] .

وقال أبو الخطَّاب بن دِحْيَة: كان ابن حَزْم قد بَرَص من أكل اللُّبَان، وأصابتهُ زَمَانَة. وعاش رحمه اللَّه اثنتين وسبعين سنة إلّا شهرا [٨] .


[ (-) ] إخلال بالصلاة، وظلم للرعيّة، وشرب للمسكر، فأنّى ينصرون؟ وكيف لا يخذلون؟ اللَّهمّ فانصر دينك، ووفّق عبادك، فمن طلب العلم للعمل كسره العلم، وبكى على نفسه، ومن طلب العلم للمدارس والإفتاء والفخر والرياء، تحامق، واختال، وازدرى بالناس، وأهلكه العجب، ومقتته الأنفس قَدْ أَفْلَحَ من زَكَّاها، وَقَدْ خابَ من دَسَّاها ٩١: ٩- ١٠ أي دسّسها بالفجور والمعصية» (سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٩١، ١٩٢) .
[١] في سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٩٣ «المحلى» ، والمثبت يتفق مع تذكرة الحفاظ ٣/ ١١٥٠.
[٢] الشيخ الموفق هو الإمام أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن أحْمَد بْن محمد بن قدامة المقدسي الدمشقيّ المتوفى سنة ٦٢٠ هـ. وكتاب «المغني» شرح به «مختصر» الخرقي.
[٣] لبلة: بفتح اللامين وبينهما باء موحدة ساكنة. قصبة كورة بالأندلس كبيرة يتصل عملها بعمل أكشونية إلى الشرق منها، والغرب من قرطبة، (معجم لبلدان ٥/ ١٠) .
[٤] وفيات الأعيان ٣/ ٣٢٨، ٣٢٨.
[٥] هي: «منت ليشم» كما في وفيات الأعيان ٣/ ٣٢٨.
[٦] هو: أحمد بن محمد بن موسى بن عطاء الصنهاجي الأندلسي المتوفى سنة ٥٣٦ هـ. انظر عنه في: وفيات الأعيان ١/ ١٦٨، ١٦٩ رقم ٦٨.
[٧] وفيات الأعيان ١/ ١٦٩ و ٣/ ٣٢٨.
[٨] تذكرة الحفاظ ٣/ ١١٥٠، سير أعلام النبلاء ١٨/ ١٩٨.