للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ورئي فِي النوم، فَقِيل لَهُ: ما فعل اللَّه بك؟

قال: لَقِيني أَحْمَد بْن حنبل فقال: يا أَبَا جَعْفَر، لقد جاهدتَ فِي اللَّه حقَّ جهاده، وقد أعطاك اللَّه الرضا [١] .

وطوّل ترجمته ابن الفراء إِلَى أن قال فيها: وأُخِذ الشريف أبو جَعْفَر بْن أَبِي مُوسَى فِي فتنة أَبِي نصر بْن القُشَيْري، وحُبِس أيامًا، فسرد الصَّوم وقال: ما آكل لأحدٍ شيئًا [٢] .

ودخلتُ عليه فِي تلك الأيام، فرأيته يقرأ فِي المصحف، فقال لي: قال اللَّه تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ٢: ٤٥ [٣] الصَّبرُ الصوم، ولم يُفْطِر إِلَى أن بلغ منه المرض، فَلَمَّا ثَقُل وضجّ الناس من حبْسه، أُخرج إِلَى الحريم الطاهري [٤] ، فمات هناك.

ومولده سنة إحدى عشر وأربعمائة [٥] .


[ (-) ] البكاء والحزن. وكانت العامة تقول: ترحّموا على الشريف الشهيد، القتيل المسموم، لما ذكر من أنّ بعض المبتدعة ألقى في مداسه سمّا، ودفن إلى جانب الإمام أحمد.
قال ابن السمعاني: سمعت أبا يعلى بن أبي حازم بن أبي يعلى بن الفراء الفقيه الحنبلي يوم خرجنا إلى الصلاة على شيخنا أبي بكر بن عبد الباقي، ورأى ازدحام العوام، وتزاحمهم لحمل الجنازة. فقال أبو يعلى: العوام فيهم جهل عظيم. سمعت أنه في اليوم الّذي مات فيه الشريف أبو جعفر حملوه ودفنوه في قبر الإمام أحمد، وما قدر أحد أن يقول لهم: لا تنبشوا قبر الإمام أحمد بن حنبل، وادفنوه بجنبه. فقال أبو محمد التميمي- من بين الجماعة: كيف تدفنونه في قبر الإمام أحمد بن حنبل وبنت أحمد مدفونة معه في القبر؟ فإن جاز دفنه مع الإمام لا يجوز دفنه مع ابنته. فقال بعض العوام: اسكت، فقد زوّجنا بنت أحمد بن الشريف، فسكت التميمي، وقال: ليس هذا يوم كلام.
ولزم الناس قبره، فكانوا يبيتون عنده كل ليلة أربعاء، ويختمون الختمات، ويخرج المتعيّشون، فيبيعون الفواكه والمأكولات، فصار ذلك فرجة للناس. ولم يزالوا على ذلك مدّة شهور، حتى دخل الشتاء ومنعهم البرد» . (ذيل طبقات الحنابلة ١/ ٢٣، ٢٤) .
[١] طبقات الحنابلة ٢/ ٢٤١، ذيل طبقات الحنابلة ١/ ٢٤.
[٢] طبقات الحنابلة ٢/ ٢٣٩، ذيل طبقات الحنابلة ١/ ٢٢.
[٣] سورة البقرة، الآية ٤٥.
[٤] في (طبقات الحنابلة ٢/ ٢٤٠) تحرّفت إلى «الظاهري» بالظاء المعجمة وكذا في (المنتظم) بطبعتيه، والمثبت يتفق مع (ذيل الطبقات ١/ ٢٢) .
[٥] طبقات الحنابلة ٢/ ٢٣٧، المنتظم ٨/ ٣١٥ (١٦/ ١٩٥) ، ذيل طبقات الحنابلة ١/ ١٥.