للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسمعت أبي أبا عمرو يقول: اتّفق أن ليلةً كُنَّا مجتمعين للإفطار فِي رمضان، وكان الحَرُّ شديدًا. وكنا نأكل ونشرب. وكان عَبْد الرَّحْمَن يأكل ولا يشرب، فقلتُ أَنَا على سبيل اللَّعِب: مِن عادة أخي أن يأكل ليلةً ولا يشرب، ويشرب ليلةً أخرى ولا يأكل.

قال: فَمَا شرب تلك الليلة. وَفِي الليلة الآتية كان يشرب ولا يأكل. فَلَمَّا كَانَتِ الليلة الثالثة قال: أيها الأخ، لا تلعب بعد هَذَا بِمِثْلِه، فَإِنِّي ما اشتهيت أن أكذِّبك [١] .

قلت: وقال الدّقّاق فِي رسالته: أول شيخ سمعتُ منه الشَّيْخ الْإِمَام السّيّد السديد الأوحد أبو القاسم بْن مَنْدَهْ، فرزقني اللَّه جلّ جلاله ببركته وحُسْن نيّته، وجميل سيرته، وعزيز طريقته، فَهْم حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَانَ جِذْعًا فِي أعيُن المخالفين أَهْل البِدَع والتّبدّع المتنطّعين. وكان مِمَّنْ لا يخاف فِي اللَّه لومه لائم. ووَصْفُه أكثر من أن يُحْصَى [٢] .

ذكر أبو بَكْر أَحْمَد بْن هبة اللَّه بْن أَحْمَد اللُّورُدجاني [٣] أنه سمع من لفظ أَبِي القاسم سعد الزنجاني بمكة يقول: حفظ اللَّه الْإِسْلَام برجُلَين أحدهما بإصبهان، والآخر بهَرَاة عَبْد الرَّحْمَن بْن مَنْدَهْ، وعبد اللَّه بْن مُحَمَّد الْأَنْصَارِيّ [٤] .

وقال السمعاني: سمعتُ الْحَسَن بْن مُحَمَّد بْن الرّضا العَلَويّ يقول:

سمعتُ خالي أَبَا طَالِب بْن طَبَاطَبَا يقول: كنت أشتمُ أبدًا عَبْد الرَّحْمَن بْن أَبِي عَبْد اللَّه بْن مَنْدَهْ إذا سمعتُ ذِكره، أو جرى ذِكْره فِي محفَل، فسافرت إِلَى جَرْباذَقْان [٥] ، فرأيت أمير المؤمنين عُمَر بْن الخطاب رَضِيَ الله عنه في المنام،


[١] سير أعلام النبلاء ٨/ ٣٥٢.
[٢] تذكرة الحفّاظ ٣/ ١١٦٧، سير أعلام النبلاء ١٨/ ٣٥٢، ذيل طبقات الحنابلة ١/ ٢٨.
[٣] اللّوردجاني: نسبة إلى لوردجان، من ناحية كور الأهواز. (معجم البلدان ٥/ ٢٥) .
[٤] المنتظم ٨/ ٣١٥، تذكرة الحفّاظ ٣/ ١١٦٧، سير أعلام النبلاء ١٨/ ٣٥٢، ٣٥٣.
[٥] جرباذقان: بالفتح. قال ياقوت: والعجم يقولون: كرباذكان. بلدة قريبة من همذان بينهما وبين الكرج وأصبهان، كبيرة ومشهورة. وجرباذقان أيضا: بلدة بين أستراباذ وجرجان من نواحي طبرستان. (معجم البلدان) .
وقد تحرّفت في (فوات الوفيات) إلى: «جرداباقان» .