للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] دينار، فكانت هذه معدودة من مكارم أخلاق نظام الملك وسعة حلمه.
وكان مع فرط إحسان نظام الملك إليه يقاسي من غلمانه وأتباعه شرّ مقاساة لما يعلمونه من بذاءة لسانه، فلما اشتدّ عليه الحال منهم كتب إلى نظام الملك:
لذ بنظام الحضرتين الرضى ... إذا بنو الدهر تحاشوك
وأجل به عن ناظريك القذى ... إذا لئام القوم أعشوك
واصبر على وحشة غلمانه ... لا بدّ للورد من الشوك
وذكر العماد أنه انفذ هذه الأبيات مع ولده إلى نقيب النقباء علي بن طراد الزينبي، ولقبه نظام الحضرتين أبو الحسن.
ويقال إن سبب غضب نظام الملك على ابن الهبّارية قوله وكتب به إليه:
أتجهل يا نظام الملك أني ... أعاود من حماك كما قدمت
وأصدر عن حياضك وهي نهب ... بأفواه السقاة وما وردت
يدلّ على فعالك سوء حالي ... وتنطق عن مثالي إن كتمت
إذا استخبرت ماذا نلت منه ... وقد عمّ الوفود ندي سكت
وما في الوافدين عليك شخص ... يمتّ من الولاء كما أمتّ
وهم دوني إذا اختبروا جميعا ... فلم بالدّون دونهم خصصت؟
ولي أصل وفضل غير خاف ... ولكن ما الفضل منك بخت
إذا ما وضعت عند بني جهير ... وعندك مع سماحتك انتهيت
فأين الفرق بينكم؟ وماذا ... ببعدي عن دياركم استندت؟
وها أنا ساكت، فإن اصطلحنا ... وإلّا خانني صبري، وقلت
فبلغ النظام، فأهدر دمه. وقال عبيد الله بن علي المعروف بابن المرستانية في (ذيل تاريخ بغداد) : لما أهدر نظام الملك دم ابن الهبارية استجار بصدر الدين محمد بن الخجنديّ، وكان يمضي في كل يوم اثنين إلى دار النظام بأصبهان ومعه الفقهاء للمناظرة، فقال لابن الهبّارية:
أدخل معنا مع جملة الفقهاء متنكّرا، فإذا عرفت المناظرة فقم في المجلس مستغفرا. ففعل. فقال ابن الخجنديّ: قال الله تعالى وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ ٢٦: ٢٢٤، وقال: إِلَّا من تابَ وَآمَنَ ١٩: ٦٠، والخادم يسأل العفو عن الشريف بقبول شفاعة الفقهاء عامّة. فقال النظام: عفا الله عمّا سلف، ثم أذن له في الإنشاد. (مرآة الزمان ٨/ ٥٩) .
وقال سبط ابن الجوزي: وكان ابن الهبّارية من الفضلاء، له كتاب سمّاه «فلك المعاني» جمع فيه نتفا وطرفا. (مرآة الزمان ٨/ ٦٠) .
وقال ابن خلكان: وديوان شعره كبير يدخل في أربع مجلّدات، ومن غرائب نظمه كتاب «الصادح والباغم» نظمه على أسلوب «كليلة ودمنة» وهو أراجيز، وعدد بيوته ألفا بيت، نظمها في عشر سنين، ولقد أجاد فيه كل الإجادة، وسيّر الكتاب على يده ولده إلى الأمير أبي الحسن صدقة بن منصور بن دبيس الأسدي صاحب الحلّة، وختمه بهذه الأبيات، وهي:
هذا كتاب حسن ... تحار فيه الفطن
أنفقت فيه مدّه ... عشر سنين عدّه
منذ سمعت باسمكا ... وصنعته برسمكا