للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو عَمْرو [١] بْن الصّلاح: فصْلٌ [لبيان أشياء مهّمة] [٢] أُنْكِرتْ عَلَى الغزّاليّ في مصنَّفَاته، ولم يَرْتضِها أهلُ مذهبه وغيرهم مِن الشّذوذ في تصرّفاته، منها قولُه في المنطق: [٣] هُوَ مقدّمة العلوم كلّها، ومن لَا يحيط بِهِ، فلا ثقة لَهُ بمعلومه [٤] أصلًا، وهذا مردودٌ، فكلّ صحيح الذّهْن مَنْطِقيّ بالطَّبْع، وكيف غفل الشّيخ أبو حامد حال مشايخه مِن الأئمّة، وما رفعوا بالمنطق رأسا [٥] .


[١] في الأصل: «أبو عمر» .
[٢] في الأصل بياض. والمستدرك من (طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح ١/ ٢٥٢) .
[٣] عند ابن الصلاح: «قوله في مقدّمة المنطق في أول «المستصفى» .
[٤] عند ابن الصلاح: «بعلومه» .
[٥] قال ابن الصلاح: سمعت الشيخ عماد الدين ابن يونس يحكي عن يوسف الدمشقيّ مدرّس نظامية بغداد- وكان من النّظّار المعروفين- أنه كان ينكر هذا الكلام ويقول: فأبو بكر وعمر وفلان وفلان- يعني أن أولئك السادة- عظمت حظوظهم من البلج واليقين، ولم يحيطوا بهذه المقدّمة وأشباهها.
قال ابن الصلاح: تذكّرت بهذا ما حكى صاحب كتاب «الإمتاع والمؤانسة» أنّ الوزير ابن الفرات احتفل مجلسه ببغداد بأصناف من الفضلاء من المتكلّمين وغيرهم، وفيهم الأشعري رحمة الله عليه، وفي المجلس متّى الفيلسوف النصراني، فقال الوزير: أريد أن ينتدب منكم إنسان لمناظرة متّى في قوله: إنه لا سبيل إلى معرفة الحق من الباطل، والحجّة من الشبهة، والشكّ من اليقين، إلّا بما حويناه من المنطق، واستفدناه من واضعه على مراتبه، فانتدب له أبو سعيد السيرافي، وكان فاضلا في علوم غير النحو، فكلّمه في ذلك حتى أفحمه وفضحه، وليس هذا موضع التطويل بذكره. وغير خاف استغناء العلماء والعقلاء- قبل واضع المنطق أرسطاطاليس وبعده- ومعارفهم الجمّة عن تعلّم المنطق، وإنما المنطق عندهم- بزعمهم- آلة صناعية تعصم الذهن من الخطأ، وكلّ ذي ذهن صحيح منطقيّ بالطبع، فكيف غفل الغزالي عن حال شيخه إمام الحرمين فمن قبله من كل إمام هو له مقدّم، ولمحلّه في تحقيق الحقائق رافع له ومعظّم، ثم لم يرفع أحد منهم بالمنطق رأسا، ولا بنى عليه في شيء من تصرّفاته أسّا، ولقد أتى بخلطه المنطق بأصول الفقه بدعة عظم شؤمها على المتفقّهة حتى كثر بعد ذلك فيهم المتفلسفة، والله المستعان.
وقد علّق الشيخ عبد القادر بدران على هامش أصل طبقات ابن الصلاح بقول:
«أقول: قول حجّة الإسلام: ومن لا يحيط بها، أي علما، سواء كان ذلك بالطبع أو بالتعليم، وهذا نظير قول النحويّ وصاحب علم المعاني فيمن لا فقه له في هذه العلوم، لا ثقة بما فهمه، وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما من أعلم الناس بالنحو والمعاني طبعا وسليقة، وكذلك كانت قواعد المنطق مركوزة في طباعهم ولو لم يعبّروا عنها بالقواعد المشهورة، كما أنهم ما كانوا يعبّرون عن النحو والمعاني بالعبارات المدوّنة اليوم، ألا ترى إلى قوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا ٢١: ٢٢، وما فيه من البلاغة بحيث لو اجتمع علماء المنطق بأجمعهم لم