للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو الحَسَن عليّ بن عبد العزيز ابن الإمام: هذا مجموع من أفعال أبي بكر بن الصّائغ في العلوم الفلسفيَّة.

قال: وكان في ثقابة الذُّهن ولُطْف الغَوْص على المعاني الدّقيقة أعجوبة دهره، فإنّ هذه الكُتُب الفلسفية كانت متداولة بالأندلس من زمان الحَكَم جالبها، فما انتهج النّاظر فيها قبله بسبيل كما تبدّد عن ابن حزْم، وكان من أجل نظّار زمانه، وكان أبو بكر أثقب منه نظرًا فيها.

قال: ويشبه أنّ هذا لم يكن بعد أبي نصر الفارابيّ مثله في الفنون الّتي تكلَّم عليها، فإنّه إذا قرنت أقاويله بأقاويل ابن سينا، والغزّاليّ، وهما اللّذان فُتح عليهما بعد الفارابيّ بالمشرق في فَهْم تلك العلوم، ودوَّنا فيها، بان لك الرَّجَحَان في أقاويله، وحُسْن فَهْمه، لأقاويل أَرِسطو.

قلت: وكان ابن الإمام من تلاميذ ابن باجَة. كان كاتبًا، أديبًا، وهو غَرْناطيٌّ أدركه الموت بقوص.

ومن تلامذة ابن باجَة أبو الوليد بن رُشْد الحفيد.

تُوُفّي ابن باجَة بفاس [١] ، وقبره بقرب قبر القاضي أبي بكر بن العربيّ المَعَافِريّ. ومات قبل الكهولة، وله مصنّفات كثيرة.

ومن شِعره:

ضربوا القِبابَ على أقاحة [٢] روضةٍ ... خَطَر النَّسيمُ بها ففاح عبيرا

وتركتُ قلبي سار بين حمولهم ... دامي الكلوم يسوق تلك العيرا

لا والّذي جعل [٣] الغصون مَعَاطِفًا ... لهمُ وصَاغ الأقْحُوَانَ ثغورا

ما مرّ بي رِيحُ الصّبا من بعدهم ... إلّا شهقت له، فعاد سعيرا [٤]


[١] قال ابن خلّكان: وتوفي في شهر رمضان المعظّم سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وقيل: سنة خمس وعشرين وخمسمائة مسموما في باذنجان بمدينة فاس. (وفيات الأعيان ٤/ ٤٣١) .
[٢] في الأصل: «أفن» .
[٣] في عيون التواريخ: «صاغ الغصون» .
[٤] في وفيات الأعيان ٤/ ٤٣٠، ٤٣١، وعيون التواريخ ١٢/ ٣٤٧ بزيادة بيت بعد الثاني:
هلا سألت أسيرهم هل عندهم ... عان يفكّ ولو سألت غيورا