للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَنْهُمْ صوم رمضان.

قَالَ: وقرأت بخطّ أَبِي غالب بْن الحُصَيْن فِي «تاريخه» : وفيه، يعني محرّم سنة تسع وثمانين، هلك سِنان صاحب دار الدّعوة النِّزاريَّة بالشّام بحصن الكهف [١] . وكان رَجُلًا عظيما، خَفِيّ الكّيْد، بعيد الهمّة، عظيم المخاريق، ذا قُدرة عَلَى الإغواء، وخديعة القلوب، وكتْمان السّرّ، واستخدام الطَّغَام والغَفَلَة فِي أغراضه الفاسدة. وأصلُه من قريةٍ من قرى البصرة، وتُعرف بعُقْر السّدف. خَدَم رؤساء الإسماعيليّة بالأَلَمَوت، وراضَ نفسه بعلوم الفلسفة. وقرأ كثيرا من كُتُب الجدل والمغالطة، و «رسائل» إخوان الصّفا وما شاكلها منَ الفلسفة الإقناعيّة المشوّقة غير المبرهنة.

بني بالشّام حصونا لهذه الطّائفة، بعضها مُسْتَجَدَّة، وبعضها كَانَتْ قديمة، فاحتال فِي تحصيلها وتحصينها، وتوعير مسالكها.

وسالَمَتْهُ الأيّام، وخافته الملوك من أجل هجوم أصحابه عليهم. ودام لَهُ الأمر بالشّام نيِّفًا وثلاثين سنة. وسيَّر إِلَيْهِ داعي دُعاتهم من أَلَمُوت جماعة فِي عدّة مِرار ليقتلوه، خوفا منَ استبداده عليه بالرئاسة، فكان سِنان يقتلهم، وبعضهم يخدعه سِنان، ويُثنيه عمّا سُيِّر لأجله.

قَالَ كمال الدّين: وقرأتُ بخطّ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن الفضل الرَّازيّ فِي «تاريخه» قَالَ: حَدَّثَنِي الحاجب معين الدّين مودود أَنَّهُ حضَرَ عِنْد الإسماعيلية سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، وأَنَّهُ خلا بسِنان، وسأله عَنْ سبب كونه فِي هَذَا المكان، فَقَالَ: إنّني نشأت بالبصرة، وكان والدي من مقدّميها. فوقع هَذَا الْحَدِيث فِي قلبي، فجرى لي مَعَ إخوتي أمرٌ أحوجني إِلَى الانصراف عَنْهُمْ، فخرجتُ بغير زاد ولا ركوب، فتوصَّلتُ حَتَّى بلغت الأَلَمُوت، فدخلتها وبها إلْكِيّا مُحَمَّد متحكِّم، وكان لَهُ ابنان سمّاهما: الْحَسَن، والحسين، فأقعدني معهما فِي المكتب، وكان يَبُرُّني بِرَّهُما، ويساويني بهما. وبقيت حَتَّى مات، وولي بعده ابنُه الْحَسَن، فأنفذني إِلَى الشّام.


[١] ويقال: حصن «الكف» بغير هاء. قلعة بالقرب من القدموس على نحو ساعة. تقوم على نشز عال فوق جبل مرتفع يرى على بعد. (صبح الأعشى ٤/ ١٤٧) بجبال العلويّين.