للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ: فخرجت مثل خروجي منَ البصرة، فلم أقارب بلدا إلّا فِي القليل. وكان قَدْ أمرني بأوامر، وحمّلني رسائل. فدخلت المَوْصِل، ونزلت مَسْجِد التّمّارين، وسرتُ من هناك إِلَى الرَّقَّة، وكان معي رسالة إِلَى بعض الرّفاق بها، فأدّيت الرسالة، فزوّدني، واكترى لي بهيمة إِلَى حلب. ولقيت آخر أوصلتُ إِلَيْهِ رسالة، فاكترى لي بهيمة، وأنفذني إِلَى الكهْف. وكان الأمر أنْ أقيم بهذا الحصْن. فأقمت حَتَّى تُوُفّي الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد فِي الجبل، وكان صاحب الأمر، فتولّي بعده الخواجة [١] عَلِيّ بْن مَسْعُود بغير نصٍّ، إلّا باتّفاق بعض الجماعة. ثُمّ اتّفق الرئيس أَبُو مَنْصُور بْن أَحْمَد بْن الشَّيْخ أَبِي مُحَمَّد، والرئيس فهْد، فأنفذوا مَنْ قتله، وبقي الأمر شورى، فجاء الأمر منَ الأَلَمُوت بقتْل قاتله، وإطلاق فهْد، ومعه وصيَّة، وأُمِر أن يقرأها عَلَى الجماعة، وهذه نسخة المكتوب: «هَذَا عهّدٌ عهِدْناه إِلَى الرئيس ناصر الدّين سِنان، وأمرناه بقراءته عَلَى سائر الرّفاق والإخوان، أعاذكم اللَّه جميعَ الإخوان منَ اختلاف الآراء، واتّباع الأهواء، إذ ذاك فتنةُ الأوّلين، وبلاء الآخرين، وفيه عبرة للمُعْتَبِرين، مَنْ تبرَّأ من أعداء اللَّه، وأعداء ولّيه ودينه، عليه مُوالاة أولياء اللَّه، والاتّحاد بالوحْدة سُنَّة جوامع الكِلم، كلمة اللَّه والتّوحيد والإخلاص، لا إله إلّا اللَّه، عُروة اللَّه الوُثقى، وحبْله المتين، ألا فتمسّكوا بِهِ، واعتصموا، عبادَ اللَّه الصّالحين فبِهِ صلاح الأوَّلين، وفَلاح الآخرين. أجمعوا آراءكم لتعليم شخصٍ معيّن بنصٍّ منَ اللَّه ووليّه، فتلقّوا ما يُلْقيه إليكم من أوامره ونواهيه بِقَبُولٍ، فلا وربِّ العالَمين لا تؤمنون حَتَّى تحكّموه فيما شَجَرَ بينكم، ثُمّ لا تجدوا فِي أنفسكم حَرَجًا ممّا قضى، وتسلّموا تسليما [٢] . فذلك الاتّحاد به بالواحدة الّتي هِيَ آية الحقّ، المُنْجية منَ المهالك، المؤدّية إلى السّعادة السّرمديّة، إذ الكثرة علامة الباطل، المؤديَّة إِلَى الشّقاوة المخزية، والعياذ


[١] في الأصل: «الأخواجة» .
[٢] اقتباس من سورة النساء، الآية ٦٥: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ٤: ٦٥.