للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] النظر في المدرسة النظامية ووقفها. ولم يزل مغمورا بسوابغ الأنعام، مكرما غاية الإكرام إلى أن خرج الوزير مؤيّد الدين المذكور متوجّها إلى خوزستان في شوال سنة تسعين وخمسمائة، فخرج معه فلما فتح الوزير أصبهان وخرج من كان بها من المخالفين جعل بها من أمراء الخدمة الناصرية- خلّد الله ملكها- الأمير سنقر الطويل وأذن لابن الخجنديّ المذكور بالمقام بها أيضا فكان على ذلك إلى أن بدا منه ما وحش بينه وبين الأمير سنقر، وأدّت الحال إلى أن قتل ابن الخجنديّ في خفية لم يتحقّق من قتله، وذلك في جمادى الأولى أو الآخرة سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة فوصل نعيه إلى بغداد ونوّابه بها بالمدرسة النظامية وقوم من أصحابه فتفرقوا.
وكان بالأمور الدنياوية أشغل منه بالعلم وسمع شيئا من الحديث، ولكن لم يبلغ سنّ الرواية.
وقد كتب ابن جبير وصفا رائعا لمجلس وعظ صدر الدين الخجنديّ، فقال: «وقد وقع الإيذان بوصول صدر الدين رئيس الشافعية الأصبهاني الّذي ورث النباهة والوجاهة في العلم كابرا عن كابر لعقد مجلس وعظ تلك الليلة، وكانت ليلة الجمعة السابع من المحرّم، فتأخر وصوله إلى هدء من الليل، والحرم قد غصّ بالمنتظرين، والخاتون جالسة موضعها، وكان سبب تأخره تأخر أمير الحاج لأنه كان على عدة من وصوله، إلى أن وصل ووصل الأمير، وقد أعدّ لرئيس العلماء المذكور، وهو يعرف بهذا الاسم، توارثه عن أب فأب، كرسي بإزاء الروضة المقدّسة، فصعد، وحضر قراؤه أمامه، فابتدروا القراءة بنغمات عجيبة وتلاحين مطربة مشجية، وهو يلحظ الروضة المقدّسة فيعلن بالبكاء، ثم أخذ في خطبة من إنشائه سحرية البيان، ثم سلك في أساليب من الوعظ باللسانين، وأنشد أبياتا بديعة من قوله، منها هذا البيت. وكان يردّده في كل فصل من ذكره، صلى الله عليه وسلم، ويشير إلى الروضة:
هاتيك روضته تفوح نسيما ... صلّوا عليه وسلّموا تسليما
واعتذر من التقصير لهول ذلك المقام، وقال: عجبا للألكن الأعجم كيف ينطق عند أفصح العرب، وتمادى في وعظه إلى أن أطار النفوس خشية ورقّة، وتهافتت عليه الأعاجم معلنين التوبة، وقد طاشت ألبابهم، وذهلت عقولهم، فيلقون نواصيهم بين يديه، فيستدعي جلمين ويجزّها ناصية ناصية، ويكسو عمامته المجزوز الناصية، فيوضع عليه للحين عمامة أخرى من أحد قرّائه أو جلسائه ممن قد عرف منزعه الكريم في ذلك، فبادر بعمامته لاستجلاب الغرض النفيس لمكارمه الشهيرة عندهم، فلا زال يخلع واحدة بعد أخرى، إلى أن خلع منها عدّة وجزّ نواصي كثيرة، ثم ختم مجلسه بأن قال: معشر الحاضرين، قد تكلّمت لكم ليلة بحرم الله عز وجل، وهذه الليلة بحرم رسوله صلى الله عليه وسلّم، ولا بدّ للواعظ من كدية، وأنا أسألكم حاجة إن ضمنتموها لي أرقت لكم ماء وجهي في ذكرها. فأعلن الناس كلّهم بالإسعاف. وشهيقهم قد علا، فقال: حاجتي أن تكشفوا رءوسكم، وتبسطوا