للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العمادُ ومعه ابن أخته عَبْد اللَّه بْن عُمَر بْن أَبِي بَكْر، والشهابُ مُحَمَّد بن خَلَف، فسمعتُ بالمَوْصِل على خطيبها «جزءا» . ثمّ دخلتُ بغدادَ وقد ماتَ الشيخُ عليّ البطائحيّ فَحَزِنْتُ كثيرا، لأنّني كنتُ أُريد أن أقرأ عليه الخَتْمَة. ثمّ سَمِعَنا الحديثَ، فأوَّل جزء كتبته «جزء» من حديث مالك على شُهْدَةَ ولم نُدْرِكْ أعلى سندا منها، وسمعنا عليها «معاني القرآن» للزجّاج، و «مصارع العشّاق» للسّرّاج، و «موطّأ» القَعْنَبيّ. وسمعت على عبد الحقّ بن يوسُف كثيرا، وكان من بيت الحديث فإنَّه رَوَى عَن أبيه، عن أبيه، عن أبيه، وكان صالحا فقيرا، وكان عَسِرًا فِي السَّماع جِدًّا. وسمعنا عليه «الإِبانة» للسِّجْزِيّ بقراءة الحافظ عبد الغنيّ، ومرضتُ ففاتني مجلسٌ، وكان يمشي معي مِن بيته إلى مكّيّ الغَرّاد فيُعيد فُوتِي [١] ، ورزُقت منه حظّا، لأَنَّه كَانَ يراني مُنْكَسرًا مُواظبًا، وكان يُعيرني الأجزاءَ، فأكتبها، وألهِمَ فِي آخر عِمره القرآن فكان يقرأ كُلَّ يوم عشرين جزءا أو أكثر.

وسمعت على أبي هاشم الدُّوشابيّ، وكان هَرَّاسًا يُربّي الحَمَام، فقلتُ لرفيقي عبد الله بن عُمَر: أريدُ أفاتحه في الطّيور عسى يَلْتَفِتُ علينا، فنقرأ عليه هذين الجزءين فقال: لا تَفْعَل. فقلتُ: لا بُدَّ من ذلك، فقلت: يا سيّدي إنْ كَانَ عندكَ من الطُّيور الجياد تُعطينا وتُفيدنا، فالتفتَ إليَّ قال: يا بُنيّ عندي الطَّيرة الفُلانية بنت الطَّيرة الفُلانية، ولي قَنْصٌ من فُلان، وانبسط، فسمعنا عليه الْجُزءين ولم نَعُدْ إليه.

وسمعنا على ابن صِيلا، وأبي شاكر السّقلاطونيّ، وتجنّي، وابن يلدرك، ومنوجهر، وابن شاتيل- وكان لَهُ ابنٌ شيخٌ إذا جَلَسنا تبيَّنَ كأنَّه الأبُ، وعَمِيَ على كِبَرٍ، وبقي سبعين يوما أعمى، ثمّ بريء وعادَ بصرُهُ- يعني الابن- فسألنا الشيخَ عن السبب فذكر لنا: أنَّه ذهب به إلى قبر الإِمام أحمد وأنّه دَعا وابتهلَ، وقلتُ: يا أمام أحمد أسألُكَ إلّا شفعت فيه إلى ربِّك، يا ربِّ شَفِّعه في وَلَدي، وولدي يُؤمِّن، ثمّ مضينا. فلمّا كَانَ اللّيلُ استيقظ وقد أبصر. ثمّ أخذنا في سماع الدَّرْس على ناصح الإِسلام أبي الفَتْح [٢] ، وكنتُ قليل الفهم لضيق


[١] يعني: ما فاته من السماع.
[٢] ابن المنّي الفقيه الحنبلي المشهور، وسيسمّيه.