وقال فِي «الوفيات» [١] : كانَ قد جمعَ فِي شعره بين الجزالة والحَلَاوةِ.
قلتُ: وديوانُ شعرِه مشهورٌ، وهو فِي غاية الْحَسَن، واللّطافَة، والبَرَاعةِ، والبلاغةِ، لولا ما شانَهُ بالتصريح بالاتّحاد الملعونِ فِي ألذِّ عبارة وأرَقِّ استعارةٍ كفالوذج سَمْنُهُ سُمُّ الأفاعي، وها أَنَا أذكرُ لك منه أبياتا لتشهدَ بصدق دعواي، فإنّه قَالَ- تعالى اللَّه عمّا يَقُولُ-:
وكُلُّ الْجِهَاتِ السِّتِّ نحوي مُشِيرةٌ ... بِمَا تَمَّ مِنْ نُسْكٍ وحَجٍّ وَعُمْرَةِ
لَهَا صَلَوَاتي بالمُقَام أُقِيمُها ... وَأَشْهَدُ فيها أنَّها لِيّ صَلَّتِ
كِلَانا مُصَلّ وَاحِدٌ سَاجِدٌ إلى ... حقيقِتهِ بالْجَمْع فِي كُلِّ سَجْدَةِ
إلى كَمْ أُوَاخي السِّتْرَ ها قَدْ هَتَكْتُهُ ... وَحلُّ أَوَاخي الحُجبِ فِي عَقْدِ بَيْعَتي
وَهَا أَنَا أُبْدي في اتِّحاديَ مَبْدَئي ... وأُنْهي انْتِهائي فِي تَوَاضُع رِفْعَتي
فإنْ لَمْ يجوِّزْ رُؤْيَةَ اثنينِ واحدا ... حِجَاكَ ولم يُثبتْ لِبعد تَثَبُّتِ
فبي موقفي، لَا بل إليَّ توجُّهي ... ولكِنْ صلاتيَ لي، ومنِّيَ كَعْبَتي
فَلَا تَكُ مَفْتُونًا بحِسِّكَ مُعْجَبًا ... بنفسِكَ مَوْقُوفًا عَلَى لَبْسِ غِرَّةِ
وَفَارقْ ضلالَ الفرق فالجمع منتج ... هدى فرقة بالاتّحاد تحدّث
وَصَرِّحْ بإطلاقِ الجمالِ وَلَا تَقُلْ ... بِتَقْييدِه مَيْلًا لِزُخْرُفِ زينَةِ
فكُلُّ مليح حُسْنُه من جَمالِها ... مُعارٌ لَهُ أو حُسْنُ كُلِّ مَليحةِ
بها قَيْسُ لُبْنَى هَامَ بَلْ عَاشِقٍ ... كمَجْنُونِ لَيْلَى أو كُثيِّرِ عَزَّةِ
وما ذَاكَ إلّا أنْ بَدَتْ بمظاهرٍ ... فَظَنُّوا سِوَاها وَهِيَ فيهم تَجَلَّتِ
وما زِلْتُ إيَّاها، وإيَّايَ لَمْ تَزَلْ ... ولا فَرْقَ بَلْ ذاتي لذاتي أَحَبَّتِ
وَلَيْسَ مَعي في الملك شيء سواي و ... المعيّة لَم تَخْطُرْ عَلى أَلْمِعيَّتي
وَهَا «دِحْيةٌ» وَافَى الأَمينَ نبيَّنا ... بصورَتهِ فِي بَدْءِ وَحْيِ النُّبُوَّةِ
أَجِبْريلُ قُلْ لي كَانَ دِحْيَةُ إذْ بَدا ... لمهدي الهدى في صورة بشريّة
ومنها:
[١] أي التكملة لوفيات النقلة ٣/ ٣٨٩.