للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا تَكُ مِمَّنْ طَيَّشَتْهُ دُروسُه ... بِحيثُ استَقَلَّتْ عَقْلَه فاسْتَقَرَّتِ

فثَمَّ وراءَ النَّقْل علمٌ يَدقُّ عن ... مداركِ غاياتِ العُقولِ السَّليمةِ

تَلَقَّيتُه عَنِّي وَمِنِّي أَخَذْتُه ... ونَفْسي كانَتْ مِنْ عطائي مُمِدَّتي [١]

ولا تَكُ باللاهي عَنِ اللَّهْوِ جُمْلَةً ... فَهَزْلُ الملاهي جِدُّ نَفْسٍ مُجِدَّةِ

تَنَزَّهتُ فِي آثارِ صُنْعي مُنَزَّهًا ... عَنِ الشِّرْكِ بالأَغيارِ جَمْعي وأُلفتي

فبي مجلسُ الأَذْكارِ سَمْعُ مُطالعٍ ... ولي حانةُ الخمَّار عَيْنُ طَليعَتِي

وما عَقَدَ الزُّنَّار حُكْمًا سِوَى يدي ... وإنْ حَلَّ بالأقرارِ بي فهْي حَلَّتِ

وإن خَرّ للأحجار فِي البُدِّ عاكفٌ ... فلا تَعْدُ بالإنكارِ بالعَصَبِيَّةِ

قَدْ عُبِدَ الدينارُ مَعْنًى مُنَزَّهٌ ... عَن العَارِ بالإشراكِ بالوَثُنِيَّةِ

وما زاغَتِ الأَبْصارُ مِنْ كُلِّ مِلَّةٍ ... وما زَاغَتِ الأَفْكَارُ فِي كُلِّ نِحْلَةِ

وما حَارَ مَنْ للشَّمسِ عن غرَّةِ صَبَا ... وإشراقُها مِنْ نُورِ إسفار غرّتي

وإنْ عَبَدَ النَّارَ المجوسُ وما انْطَفَتْ ... كما جاءَ فِي الأخبارِ فِي ألفِ حُجَّةِ

فما قَصَدُوا غيري وإن كانَ قَصْدُهم ... سوايَ وإنْ لم يُظْهرُوا عَقْدَ نِيَّةِ

رأَوْا ضَوْءَ نُوري مرّة فتوهّموه ... نارا فضلّوا في الهدى بالأَشِعَّةِ [٢]

تُوُفّي ابن الفارضِ فِي جُمَادَى الأولى، ثاني يوم منه بمصر. وقد جاورَ بمكة زمانا.

وأنشدنا غير واحد له أنَّه قالَ عند الموت هذين البيتين لمّا انكشف له الغطاء:

إن كانَ مَنْزِلَتي فِي الحُبِّ عندَكُمُ ... ما قَدْ لَقِيتُ فَقَدْ ضَيَّعْتُ أَيَامي

أُمْنيَّةٌ وَثِقَتْ نَفْسِي بها زمنا ... واليوم أحسبها أضغاث أحلام


[١] علّق المؤلّف- رحمه الله- في حاشية نسخته على هذا البيت بقول: «صدق والله، تلقاه عن خطرات ووساوس فوقع في الهوس» .
[٢] القصيدة في ديوانه (طبعة بيروت ١٣٠٨ هـ) ص ١٧- ٥٤، و (طبعة القاهرة ١٣٥٣ هـ) ص ٢٠، وهي معروفة ب «نظم السلوك» أو «التائية الكبرى» ، ومطلعها:
سقتني حميّا الحب راحة الحب راحة مقلتي ... وكأسي محيا من عن الحسن جلت